قائمًا"، وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم: "فيدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك" وفي رواية عطية: فيأمر به فيمد برجليه، ثم يأمر بحديدة فتوضع على عجيب ذنبه، ثم يشقه شقتين، ثم يقول الدجال لأوليائه: أرأيتم إن أحييت لكم هذا ألستم تعلمون أني ربكم؟ فيقولون: نعم فيأخذ عصى، فضرب أحد شقيه فاستوى قائمًا، فلما رأى ذلك أولياؤه صدقوه، وأحبوه وأيقنوا بذلك أنه ربهم، عطية ضعيف، قال ابن العربي: هذا اختلاف عظيم في قتله بالسيف وبالميشار، قال: فيجمع بأنهما رجلان يقتل كلا منهما قتلة غير قتلة الآخر، كذا قال: والأصل عدم التعدد، ورواية الميشار تفسر رواية الضرب بالسيف فلعل السيف كان فيه فلول فصار كالميشار، وأراد المبالغة في تعذيبه بالقتلة المذكورة، ويكون قوله: "فضربه بالسيف" مفسرًا لقوله: أنه نشره.
وقوله: "فيقطعه جزلتين" إشارة إلى آخر أمره لما ينتهي نشره، قلت: وفي هذا الجمع تكلف واضح، قال ابن العربي: وقد وقع في قصة الذي قتله الخضر أنه وضع يده في رأسه فاقتلعه، وفي أخرى فاضجعه فذبحه بالسكين، فلم يكن بد من ترجيح إحدى الروايتين علي الأخرى، لكن القصة واحدة، وقد مرَّ الجمع بين روايتي الخضر آخر كتاب العلم في باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم؟؛ قال الخطابي: فإن قيل: كيف يجوز أن يجري الله الآية على يد الكافر؛ فإن إحياء الموتى آيةٌ عظيمة من آيات الأنبياء، فكيف ينالها الدجال؛ وهو كذاب مفتر يدعي الربوبية؟ فالجواب: أنه على سبيل الفتنة للعباد، إذ كان عندهم ما يدل على أنه مبطل، غير محق في دعواه وهو أنه أعور مكتوب على جبهته كافر، يقرأه كل مسلم، فدعواه داحضة مع وسلم الكفر، ونقص الذات، والقدر، إذ لو كان الهًا لأزال ذلك عن وجهه، وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة فلا يشتبهان، وقال الطبري: لا يجوز أن تعطى أعلام الرسل لأهل الكذب والإفك في الحالة التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به فيها، إلا الفصل بين المحق منهم، والمبطل، فاما إذا كان لمن عاين ذلك السبيل إلى علم الصادق من الكاذب، فمن ظهر ذلك على يده فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين، فهذا بيان الذي أعطيه الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده، ومحنة لمن عاينه، وفي الدجال مع ذلك دلالة بينة لمن عقل على كذبه؛ لأنه ذو أجزاء مؤلفة، وتاثير الصنعة فيه ظاهر، مع ظهور الآفة به من عور عينه، فإذا دعا الناس إلى أنه ربهم فأسوأ حال من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوي خلق غيره، ويعدله، ويحسنه، ولا يدفع النقص عن نفسه، فأقل ما يجب أن يقول: يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض صور نفسك وعدلها، وأزل عنها العاهة، فإن زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئًا فأزل ما هو مكتوب بين عينيك، وقال المهلب: ليس في اقتدار الدجال على إحياء المقتول ما يخالف قوله -صلى الله عليه وسلم- الآتي إن شاء الله تعالى: "هو أهون على الله من ذلك" أي: من أن يمكن من المعجزات تمكينًا صحيحًا؛ فإن اقتداره