تَشْرع في تطوع، فيلزمك إتمامه، واستدلوا من خارج بقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وبأنهم اتفقوا على أن حج التطوع يلزم بالشروع، وبما أخرجه أحمد في "مسنده" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أصبحتُ أنا وحفصةُ صائمتين، فأُهديت لنا شاةٌ، فأكلنا فدخل علينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فأخبرناه، فقال:"صوما يومًا مكانه" والأمر للوجوب، فدل على أن الشروع ملزم، وبما رواه الدّارقطني عن أم سَلَمة أنها صامت يومًا تطوعًا، فأفطرت، فأمرها النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقضي يومًا مكانه.
وقالت الشافعية: إن التطوع لا يجب بالدخول فيه، لكن يستحب إتمامه، وجعلوا الاستثناء في هذا الحديث منقطعًا، قائلين: إن الاستثناء فيه من غير الجنس؛ لأن التطوع لا يقال فيه عليك، فكأنه قال: لا يجب عليك شيءٍ، لكن إن أردت أن تطَّوّع فذلك لك، واستدلوا على انقطاعه بما رواه النَّسائي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان أحيانًا ينوي صومَ التطوع، ثم يُفطر. وفي "البخاري" أنه أمر جُوَيرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شَرعَت فيه. قالوا: فدل على أن الشروع في العبادة لا يَسْتلزم الإتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم، وبالقياس في الباقي، وأجابوا عن وجوب الحج بالشروع فيه بأنه امتاز عن غيره بلزوم المُضِيِّ في فاسده، فكيف في صحيحه؟! وكذلك امتاز بلزوم الكفارة في نفله كفرضه.
وأجاب الأوَّلون عن حديث النسائي بأنه لا يدُلُّ على أنه عليه الصلاة والسلام ترك القضاء بعد الإفطار، وإفطاره قد يكون لعذرٍ، وعن حديث جُويرية بأنها صامت تطوعًا بغير إذن الزوج، والزوج له إفطار الزوجة إذا صامت صوم تطوع بغير إذنه، أو صوم قضاء مع سَعَة الزمان، ولكن استدلال الحنفية باتصال الاستثناء في هذا الحديث فيه نظر، لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام بل بوجوبه، واستثناء الواجب من الفرض منقطعٌ لتباينهما عندهم، ولأن الاستثناء من النفي عندهم ليس للإثبات، بل