للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه، ويتحمل مشاقه، حتى يصير إلى الفوز باللقاء.

وفي "الفتح" عند حديث عائشة في الرقاق: "من أحبَّ لقاءَ الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ... إلخ" ما نصه: اللقاء يقع على أوجه: منها المعاينة، ومنها البعث كقوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} ومنها الموت: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} وقوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}.

وقال ابن الأثير في "النهاية": المراد بلقاء الله هنا، يعني: في حديث عائشة المار، المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند الله تعالى، وليس الغرض به الموت، لأن كلًا يكرهه، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله، لأنه إنما يصل إليه بالموت. وقول عائشة: "والموت دون لقاء الله" يبين أن الموت غير اللقاء ... إلخ ما مر قريبًا.

ومما يبين ما قاله ابن الأثير أن الله تعالى عاب قومًا بحب الحياة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} وقال الطيبي: يريد أن قول عائشة: إنا لنكره الموت، يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت، وليس كذلك، لأن لقاء الله غير الموت، بدليل قوله في الرواية الأخرى: والموت دون لقاء الله، لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله، عبر عنه بلقاء الله.

وقال الخطابي: معنى محبة العبد للقاء الله تعالى إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهة بضد ذلك.

وقال النّووي: معنى الحديث: أن المحبة والكراهة التي تُعتبر شرعًا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمُستحضَرِ، ويظهر له ما هو صائر إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>