للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: المراد باللقاء رؤية الله تعالى، قاله الخطابي، وتعقبه النووي بأن أحدًا لا يقطع لنفسه برؤية الله، فإنها مختصة بمن مات مؤمنًا، والمرء لا يدري بم يختم له، فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان. وأُجبيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر، واقع للمؤمنين جملة، لا أن كل أحد يقطع بأنه سيحصل له كما زعمه النووي، وهذا من أقوى الأدلة لأهل السنة في إثبات رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، إذ جُعِلَتْ من قواعد الإيمان على هذا التفسير، وسيأتي استيفاء الكلام على الرؤية إن شاء الله تعالى عند ذكرها في كتاب التوحيد، وقد استوفينا الكلام عليها في كتابنا على متشابه الصفات.

وقوله: "ورسله بإسقاط الباء" وللأصيلي: "وبرسله" بإثباتها، ووقع في حديث أنس وابن عباس المار ذكرهما: "والملائكة، والكتاب، والنبيين" وكل من السياقين في القرآن في البقرة، الأول في قوله الله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} والثاني في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس، والإيمان بالرسل: التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى، ودلَّ الإِجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم، من غير تفصيل، إلا مَن ثبتت تسميته، فيجب الإيمان به على التعيين.

ومناسبة الترتيب المذكور، وإن كانت الواو لا تفيد الترتيب، هي أن المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله، ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه إلى عباده، والمتلقي لذلك منهم الأنبياء، والواسطة بين الله ويينهم الملائكة.

وقوله: "وتؤمن بالبعث" زاد في التفسير: "الآخر"، ولمسلم في حديث عمر: "واليوم الآخر" فأما البعث الآخر فقيل: ذكر الآخر تأكيدًا، كقولهم أمس الدابر أو الذاهب. وقيل: لأن البعث وقع مرتين، الأولى: الإخراج من العدم إلى الوجود، أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>