للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا، والثانية: البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار، وهذا نظير قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} وأما اليوم الآخر، فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا، أو آخر الأزمنة المحدودة، والمراد بالإيمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار، كما وقع التصريح بها في رواية سليمان التيمي، وحديث ابن عباس المشار إِليهما فيما مر، وإنما أعاد لفظ وتؤمن عند ذكر البعث، للإشارة إِلى أنه نوع آخر مما يؤمن به، لأن البعث سيوجد بعد، وما ذكر قبله موجود الآن، وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار، ولهذا كثر تكراره في القرآن.

وزاد الإسماعيلي في "مستخرجه" هنا: "وتؤمن بالقدر" وهي في رواية أبي فَرْوة المشار لها سابقًا، وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع، وفي رواية كَهْمس عنده أيضًا، ورواية سليمان التيمي المشار لها: "وتؤمن بالقدر خيره وشره"، وفي رواية عطاء عن ابن عمر المشار لها أيضًا بزيادة: "وحلوه ومره من الله" وفيه إعادة لفظ وتؤمن أيضًا كلاهما البعث، إشارة إِلى ما يقَع فيه من الاختلاف، فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن، ثم قرره بالإبدال بقوله: "خيره وشؤ وحلوه ومره"، ثم زاد تأكيدًا بقوله في الرواية الأخيرة: "من الله".

والقدر مصدر، تقول: قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره -بالكسر والفتح- قَدْرًا وقَدَرًا -بالتحريك والسكون- إذا أحطت بمقداره، والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية، وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين، إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة.

وقد روى مسلم القصة في ذلك عن يحيى بن يَعْمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة مَعْبد الجُهَنِيّ، قال: فانطلقت أنا وحُميد

<<  <  ج: ص:  >  >>