عند مسلم بقوله:"أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله" فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين، وبهذا تبين دفع الاحتمال الثاني، ولما عبر الراوي بالعبادة احتاج إلى أن يوضحها بقوله:"ولا تشرك به شيئًا" ولم يحتج إليها في رواية عمر، لاستلزامها ذلك، وإنما عبر بأن والفعل دون المصدر، لأن:"أن تفعل" تدل على الاستقبال، والمصدر لا يدل على زمان، فكان التعبير بما يدل على الاستقبال أولى. وفي رواية عثمان بن غياث عند أحمد في "مسنده" التعبير بالمصدر، فقال:"شهادة أن لا إله إلا الله" ولا يقال: إن السؤال عام، لأنه سأل عن ماهية الإِسلام، والجواب خاص، لقوله: أن تعبد، أو تشهد، وأن تؤمن، وفي الإحسان: أن تعبد، لأنا نقول: ليس المراد بمخاطبته بالإفراد اختصاصه بذلك، بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين، وقد تبين ذلك بقوله في آخره:"يعلّمُ الناس دينهم" وقوله: "ولا تشرك به" بالفتح، وفي نسخة كريمة بالضم، وفي رواية مسلم:"لا تشرك به شيئًا" وقد مرَّ أنها على ما قال في "الفتح" ذكرت للإيضاح. وعلى ما قال النووي في تفسير العبادة، قال: إنما ذكر بعد العبادة لأن الكفار كانوا يأتون بصورة عبادة الله تعالى في بعض الأشياء، ويعبدون الأوثان وغيرها، يزعمون أنهم شركاء، فنفى هذا.
وقوله:"وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة" قد مر في الحديث الأول من الإيمان الكلام على معنى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وعلى حقيقة الصلاة والزكاة، وعلى معنى الصوم والحج مستوفى.
وفي رواية مسلم:"الصلاة المكتوبة"، وهذا نظير قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وقد اشتهرت تسميتها مكتوية في الأحاديث "الصحيحة" كقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوية"، "وخمس صلوات كتبهنَّ الله" و"أفضلُ الصلاة بعد المكتوبة .. " فيحتمل التقييد بذلك الاحتراز من النافلة، لأنها وإن كانت من وظائف الإِسلام فليست من أركانه، ويحتمل أن يكون المراد