للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب، وأخرجه البخاري في الجهاد كذلك بطوله، ولم أر هل حمى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أو لم يحم.

وقد ادّعى أبو عَمرو الدّاني أن التمثيل من كلام الشعبي، وأنه مدرج في الحديث، ولعل مستنده ما في رواية ابن الجارود والإسماعيلي عن ابن عَوْن أنه قال في آخر هذا الحديث: لا أدري المثل من قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو من قول الشعبي. وتردُّدُ ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجًا، لأن الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه، فلا يقدح شك بعضهم فيه، وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرواة كأبي فَرْوة عن الشعبي لا يقدح فيمن أثبته لأنّهم حفاظ، ولعل هذا هو السر في حذف البخاري للجواب ليصير ما قبل المثل مرتبطًا به، فيسلم من دعوى الإدراج. ومما يقوي عدم الإِدراج رواية ابن حِبّان الآتية قريبًا، فإن فيها التصريح برفع الجميع، وكذا ثبوت المثل مرفوعًا في رواية ابن عباس، وعمار بن ياسر، وقوله: "يوشِكُ أن يُواقعه" بضم الياء وكسر الشين، أي: يسرع ويقرب من أن يقع فيه، ماضيه أوْشك. وعند ابن حِبّان من الزيادة: "اجعلوا بينَكُم وبين الحرام سترةً من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه".

ومن هذا المعنى انتزع القباري شيخ ابن المنير قوله: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه، وهذا منزِعٌ حسن، والمعنى: إن الحلال حيث يُخشى أن يؤول فعله مطلقًا إلى مكروه أو محرم، ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلًا من الطيبات، فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق، أو يفضي إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية، وهذا معلوم بالعادة، مشاهد بالعيان، فمن تعاطى ما نُهِي عنه أظلم قلبه لفقدان الورع، وأعلى الورع ترك الحلال مخافة الحرام، كترك ابن أدْهَم أجرته لشكه في وفاء عمله، وطوى على جوع شديد، قاله القَسْطَلّاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>