للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تسكن إليه، وأن يحصل حفظها للسامع، فإذا نسي شيئًا من تفاصيلها، طلب نفسه بالعدد، فإذا لم يستوف العدد الذي في حفظه، علم أنه قد فاته بعض ما سمع.

قلت: قوله: قال: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده .. الخ" يفهم منه صريحًا أن الإيمان بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم داخل في الإيمان بالله وحده، ليس شيئًا زائدًا على الإيمان به تعالى، وهذا فيه من غاية تعظيمه عليه الصلاة والسلام ما يُدهش العقول، حيث إن الله تعالى جعل الإيمان به عليه الصلاة والسلام إيمانًا به تعالى وحده، لا مزيد فيه من جهته صلى الله تعالى عليه وسلم، وهذا فيه من التنويه ما ليس في قوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وقد مر في حديث: "بُني الإِسلام على خمس" أول الكتاب الكلام مستوفى على معنى الإيمان والشهادة، ومعنى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان.

ولم يذكر الحج في الحديث، واختلف في سبب عدم ذكره، فقيل: لأنه لم يكن فوض، وهذا هو المعتمد بناء على تقدم اسلامهم، فإن فوض الحج كان في سنة ست على الأصح وجعل القاضي عياض فوضه سنة تسع، وقدوم الوفد سنة ثمان قبل فوضه، وقيل: إنما لم يذكره لهم لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة، فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال، ولم يقصد اعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلًا وتركًا، ويدل على هذا اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية، مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ، لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها، وأما قول من قال: إنه ترك ذكره لكونه على التراخي، فليس بجيد، لأن كونه على التراخي لا يمنع من الأمر به، وكذا قول من قال: إنه تركه لشهرته عندهم ليس بقوي، لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم، وكذا قول من قال: انه ترك ذكره لأنهم لم يكن لهم سبيل إليه من أجل كفار مضر ليس بمستقيم، لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة في الحال ترك الإخبار به ليُعمل به عند الإمكان كما في الآية،

<<  <  ج: ص:  >  >>