للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إن حرباً لا يخمد لها أوار تستعر بين جميع الكائنات الحية. فالضرورة، والجوع، والعوز- تحفز الأقوياء والشجعان، والخوف، والقلق، والرعب، تقلق الضعفاء والعاجزين. وأول مدخل للوليد إلى الحياة فيه ألم مبرح له ولأمه المسكينة، والضعف والعجز والضيق رفقاء كل مرحلة من مراحل تلك الحياة، ثم يختم آخر الأمر بالعذاب والرعب .. لاحظ أيضاً .. حيل الطبيعة العجيبة، لتكدر حياة كل كائن حي .. .. تأمل ذلك الجيش العرمرم من الحشرات التي تتربى على جسم كل حيوان، أو تغرز حمتها فيه وهي تطير من حوله … فكل حيوان يحدق به أعداء يسعون على الدوام إلى إشقائه وتدميره .. ولإنسان ألد خصوم الإنسان. فالقهر، والظلم، والاحتقار والإهانة، والعنف، والإغواء، والحرب، والافتراء، والغدر، والتزييف؛ بهذه يعذب الناس بعضهم بعضاً (١١٧).

"انظر إلى هذا الكون نظرة محيطة. يا لها من وفرة هائلة في الكائنات، الحية المنظمة، الحساسة النشيطة! إنك لتعجب بهذا التنوع الضخم وهذه الخصوبة الهائلة. ولكن افحص بتدقيق أكثر هذه الكائنات الحية … ما أشد عداءها وتدميرها بعضها لبعض! … والكل لا يمثل سوى فكرة الطبيعة العمياء، التي تزخر بمبدأ محي عظيم، ويتدفق من حجرها دون تمييز أو رعاية أبوية أطفالها الشائهون المجهضون (١١٨) ".

وتوحي الأدلة المتضاربة على الخير والشر في العالم إلى فيلو بثنائية الآلهة المتنافسين أو تعددهم، بعضهم "أخيار" وبعضهم "أشرار"، وربما كانوا مختلفي الجنس. وهو يلمع في خبث إلى أن العالم:

"لم يكن سوى المحاولة الفجة الأولى لإله طفل أقلع عنها بعد ذلك خجلاً من إنجازه الأعرج .. أو أنه نتاج الشيخوخة والخرف في إله طعن في السن، وبعد موته واصل العالم مسيرته مغامراً، مدفوعاً بالدفعة والقوة الفعالة الأولى التي تلقاها منه (١١٩) ".