للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البسيطة، كما نرى ذلك في وصفه للفتح الأنجليسكسوني (١٨). وكانت بيد رجلاً مفكراً حتى الضمير، يعني أشد العناية بتواريخ الحوادث، وهو في العادة دقيق فيما يورده منها؛ يعين المراجع التي يعتمد عليها، ويسعى للحصول على الشواهد من مصادرها الأولى، ويقتبس مما يستطيع الوصول إليه من الوثائق الصحيحة. ومن أقواله في هذا المعنى: "لست أريد أن يقرأ أبنائي أكذوبة واحدة" (١٩)، ونرجو أن يكون قصده بأبنائه تلاميذه الستمائة الذي علمهم. وقد توفي بعد ست سنين من كتابة سيرته الذاتية السالفة الذكر، والتي جمع في سطورها الختامية كل ما حوته تقوى العصور الوسطى من رقة وإيمان:

"وأتوسل إليك يا يسوع الرحيم أن تمن بفضلك على من عطفت عليه فأسقيته من كلمات علمك العذبة بأن يقبل في يوم من الأيام عليك يا ينبوع الحكمة بأجمعها ويقف على الدوام أمام وجهك".

ويذكر بيد أن الناس في زمانه كانوا يتحدثون في إنجلترا بخمس لغات: الإنجليزية، والبريطانية (الكلتية)، والأيرلندية، والبكتية (الاسكتلندية)، واللاتينية. فأما الإنجليزية فكانت لغة الإنجليز (Angles) ، ولكنها لم تكن تختلف عن اللغة السكسونية إلا قليلاً، وكان يفهمها الفرنجة، والنرويجيون والدنمرقيون، فقد كان هؤلاء الأقوام الخمسة يتكلمون لهجات مختلفة من اللغة الألمانية، وقد نشأت الإنجليزية من اللغة الألمانية نفسها. وكان ثمة أدب أنجليسكسوني جدير بالاعتبار من القرن السابع، وليس لنا مصدر نعتمد عليه في تقدير معظمه إلا قطع متفرقة منه لأن جزأه الأكبر قد اندثر بعد أن أدخلت اللاتينية في إنجلترا الحروف اللاتينية (واستبدلتها بحروف شمالي أوربا التي كانوا يكتبون بها من قبل)، وبعد أن دمرت الفتوح الدنمرقية كثيراً من دور الكتب، وحين غمرت الفتوح النورمندية اللغة الإنجليزية بفيض من اللغة الفرنسية. يضاف إلى هذا أن كثيراً من القصائد الأنجليسكسونية كانت قصائد