أو الميدان العام. ولكننا يجب أن نضيف إلى هذه الصورة أن شوارعها كانت أزقة ضيقة ملتوية، (وتلك أحسن وسيلة للدفاع ومنع وهج الشمس) يسير فيها الناس والماشية على وقع حوافر الدواب وطقطقة الأحذية الخشبية، وأصوات المارة وهم سائرون فيها على مهل في ذلك العصر الذي لم تكن فيه آلات تريح عضلاتهم وتبلي أعصابهم. وكانت تحيط بكثير من مساكن المدينة حدائق، وأخنان الدجاج، وحظائر الخنازير، ومراعي البقر، وأكوام الروث. وكانت لندن من المدن الشديدة على أهلها، فأمرت "كل من يربي خنزيراً أن يحتفظ به في بيته"، أما في غيرها فقد كانت الخنازير تجوس بملء حريتها خلال أكوام الفضلات المكشوفة (١١١). وكانت الأمطار تملأ الأنهار من حين إلى حين فتطفي على الحقول والمدن، حتى كان الناس يسيرون بالقوارب تدفعها المجاذيف إلى قصر وستمنستر (١١٢). وكانت الشوارع تظل بعد المطر مليئة بالوحل عدة أيام؛ وكان للرجال وقتئذ يحتذون أحذية طويلة، وأما النساء فكن يحملن في عربات وكراسي تتقلب من حفرة إلى حفرة. وقد رصفت بعض المدن شوارعها الرئيسية بالحجارة في القرن الثالث عشر، أما الكثرة الغالبة منها فقد ظلت شوارعها غير مرصوفة، تتعثر فيها الأقدام وتنبعث منها الروائح الكريهة. وكانت للأديرة والقصور الحصينة وسائل صالحة لصرف الفضلات (١١٣)، أما الأكواخ فلم يكن لها من هذا، وكانت في أماكن متفرقة من المدينة ميادين كَلِئة، بها مضخة يستقي منها الناس وحوض ترتوي منه الحيوانات المارة.
وكانت بيوت المدن القائمة في شمالي الألب تقريباً من الخشب، ولم يكن فيها بيوت من الآجر أو الحجارة إلا بيوت أغنى الأشراف والتجار، وكانت الحرائق كثيرة، وإذا شبت انتشرت في معظم الأحيان في جميع المدينة لا يعوقها