وحظيت قلة ضئيلة بمثل هذا القدر الكبير من العلم والمعرفة، بينما ظل ٨٠% من سكان أوربا الغربية أميين. وقضى جون كومنيوس أربعين عاماً يكافح في سبيل النهوض بخطط التعليم في أوربا. ولد كومنيوس في مورافيا (١٥٩٢) وارتقى إلى مرتبة أسقف الأخوة المورافيين ولم يتزعزع قط إيمانه بأن الدين هو أساس التعليم وغايته، فإن رأس الحكمة مخافة الله. وعلى الرغم من أن الأحقاد الدينية في زمانه جعلت من حياته سلسلة متصلة من المحن والبلايا، فإنه بقي على إخلاصه لفلسفة التسامح في الوحدة الأخوية.
نحن أبناء عالم واحد، يجري في عروقنا دم واحد. وأنه لمن أشد الحماقة أن نضمر البغض والكراهية لإنسان لأنه ولد في قطر آخر، أو لأنه يتحدث بلغة مختلفة عن لغتنا. أو لأن له رأياً مخالفاً لنا في هذا الموضوع أو ذاك. إني لأتوسل إليكم أن تكفوا عن هذا، فإننا بشر متساوون في الإنسانية فليكن لنا جميعاً هدف واحد وغاية واحدة، هي خير الإنسانية جمعاء، ولنطرح جانباً كل الأنانيات والأثرة القائمة على أسس من اللغة أو القومية أو الدين (٣٦).
وبعد تدوين كثير من النصوص التربوية، لخص كومنيوس مبادئه في التربية المثلى (١٦٣٢) وهو من أهم الكتب في تاريخ التربية. أولاً: يجب أن يكون التعليم عاماً، بصرف النظر عن الجنس أو مستوى المعيشة. فيجب أن يكون في كل قرية مدرسة، وفي كل مدينة كلية، وفي كل مقاطعة جامعة، ويجدر أن يكون التعليم العالي متاحاً لكل من يثبت القدرة على متابعته، وينبغي أن تتولى الدولة الإنفاق على الكشف عن مواهب وقدرات المواطنين فيها، وتدريبها والإفادة منها. ثانياً: يجب أن يكون التعليم واقعياً، بحيث تربط الأفكار في كل خطوة بالأشياء الملموسة، كما يجب تعليم الألفاظ باللغة الوطنية أو بأية لغة أجنبية، عن طريق مشاهدة الأشياء التي تمثلها أو لمسها أو استخدامها