العابر" (٢٣). وقد وصفها بعد سنين وصفاً فيه تعاطف وبراعة في "اعترافات روح جميلة". التي أدخلها في كتابه "ولكنه سجل في غير مبالاة مزاعمها من أن قلقه واكتئابه سببهما إخفاقه في المصالحة مع الله. "كنت أعتقد منذ حداثتي إنني على علاقة طيبة جداً مع إلهي- لا بل إنني تخيلت … أنه قد يكون مديناً لي بدين لم يوفه بعد، لأنني كنت مع الجرأة بحيث رأيت أن عليه لي مأخذاً يقتضي أن اغتفره له. وكان هذا الغرور قائماً على حسن نيتي الذي لا حد له، وهو ما كان خليقاً بإلهي أن يعينني عليه معونة أفضل كما بدل لي. وللقارئ أن يتصور كم من المرات دخلت في مناعات مع أصدقائي حول هذا الموضوع، ولكنها كانت تنتهي دائماً بغاية المودة والصفاء"(٢٤).
ومع ذلك مرت به لحظات متفرقة من التقوى، إلى حد الاختلاف إلى بعض جلسات الإخوان المورافيين، ولكن نفره من هؤلاء القوم البسطاء (٢٥)، "ضعف ذكاءهم" وسرعان ما ارتد إلى الجمع المتقطع بين الإيمان بوحدة الوجود والشك العقلاني.
وفي أبريل ١٧٧٠ رحل إلى ستراسبورج أملاً في نيل درجته القانونية. ووصفه زميل من الطلاب (وهو في الحادية والعشرين) بأنه "فتى وسيم الوجه، له جبين رائع وعينان واسعتان متقدمتان "ولكنه أردف" أن التعامل مع هذا الشاب لن يكون أمراً يسيراً، إذ يبدو أن له طبعاً جموحاً غير مستقر"(٢٦). وربما كان مرضه الطويل سبباً في إثارة أعصابه؛ وكان "قرينه" أشد إقلاقاً له من أن ينيله الهدوء والاستقرار، ولكن أي شاب تسري النار في دمه يستطيع أن ينعم بالهدوء؟ وحين وقف أمام الكتدرائية الكبرى حياها بشعور الوطنية، لا بوصفها كاثوليكية بل معماراً ألمانياً، معمارنا، فالإيطاليون لا يستطيعون المفاخرة بشيء نظيرها، وأقل منهم الفرنسيون" (٢٧)(ولم يكن قد رأى بعد إيطاليا ولا فرنسا). "وصعدت وحيداً إلى أعلى قمة في البرج … وغامرت من هذا العلو بأن أخطو إلى الخارج على افريز لا يكاد يبلغ ياردة مربعة. وقد أوقعت هذا الرعب