[صيام المجهد جسميا أو ذهنيا]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم ١٤٠١ هجرية - ١٥ نوفمبر ١٩٨٠ م
المبادئ
١ - من لا تمكنه حالته من الاستمرار فى صوم شهر رمضان بسبب جهد جسدى أو ذهنى.
عليه مجاهدة نفسه وترويضها على الصوم. فإن عجز أو ترتب على الصوم خلل فى دراسته أو تعطيل لها كان عليه قضاء ما يفطر إن كان عجزه مؤقتا.
٢- إن كان عجزه ذاتيا مستمرا فعليه الفدية، فإن لم يستطع أداءها فورا كانت دينا فى ذمته يؤديها وقت استطاعته.
٣- للمسلم التمتع بأموال زوجته المسيحية والانتفاع بها ما دامت قد أحلتها له.
واختلاط هذه الأموال بالربا اختلاطا لايمكن الفصل بينهما يجعلها مباحة ضرورة.
٤- له أن يأكل لحوم ذبائح أهل الكتاب ومنهم المسيحيون مع التسمية عند ابتداء الأكل مالم يتأكد أنها ذبحت بطريقة تجعلها ميتة.
٥- ترك المسلم أداء الصلاة فى مواقيتها لأنه عجز عن صوم كل شهر رمضان خطأ فى الدين، وعليه أداء ما استطاع من العبادات وإلا كان تاركا للصلاة بدون عذر واستحق عقاب الله، ولعل فى مداومته على الصلاة إعانة على التوفيق فى الطاعات الأخرى
السؤال
بالطلب الوارد من إيطاليا من السيد / م م ج وخلاصته: أولا - أن السائل مسلم يدرس الطب ولا يتحمل الصوم، ولقد صام ١٢ يوما من شهر رمضان الماضى، ثم لم يستطع إكماله حيث لا يتحمل الصوم إلا لوقت الظهر، وبعد هذا يشعر بدوخة وآلام وشدة على البطن ويشعر بتعب شديد وإرهاق من الدراسة.
وأنه يعلم أن الذى لا يقدر على الصوم تجب عليه الفدية، وأنه لا يقدر على هذه الفدية لأنه يعيش على الصدقة.
ثانيا - أنه متزوج بمسيحية تتولى الإنفاق عليه من مرتبها.
ومن مالها المودع فى البنك بفائدة.
ثالثا - أنه يأكل لحما مذبوحا بغير ذبح المسلمين ولا يستطع الاستغناء فى طعامه عن اللحم.
رابعا - أنه ترك الصلاة فى رمضان خجلا من الله لفطره.
وطلب فى الختام بيان رأى الدين فى كل ذلك
الجواب
عن السؤال الأول قال الله سبحانه وتعالى فى آيات الصوم {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} البقرة ١٨٤، وفى الآية الأخيرة من هذه السورة قوله تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} .
ومن هذا نرى أن الإسلام دين السماحة واليسر، لا يكلف الانسان إلا بما يطيقه، فمن كان مريضا مرضا يرجى الشفاء منه، أبيح له الفطر ومتى شفى من مرضه صام ما أفطر من أيام شهر رمضان، وإن عجز عن الصوم لمرض لا يرجى منه الشفاء أو لضعف جسدى، أو بسبب تقدم السن كأن كان يقدر بمشقة بالغة، أبيح له الفطر ووجبت عليه الفدية، وهى إطعام مسكين عن كل يوم يفطره من شهر رمضان لما كان ذلك فإذا كانت حالة السائل لا تمكنه من الاستمرار فى صوم شهر رمضان بسبب جهد جسدى أو ذهنى يبذله كان عليه أن يجاهد نفسه ويروضها على الصوم بقدر استطاعته، فإن عجز أو ترتب على الصوم خلل فى دراسته أو تعطيل لها كان عليه الفطر، وهو فى مستقبل عمره عليه قضاء هذه الأيام التى يفطر فيها من شهر رمضان، إن كان عجزه على ضعف مؤقت طارىء بسبب العمل أو الدراسة أو المرض، وإن كان عجزه ذاتيا مستمرا كانت عليه الفدية، فإذا لم يستطع أداءها فورا كانت دينا فى ذمته يحصيها ليؤديها وقت استطاعته واستعن بالله ولا تعجز، وغالب النفس والشيطان واعصهما، لأن الله يعلم السر وأخفى فهو العليم بحالك وقدرتك، وإذا أعسرت الآن بالفدية وفرج الله كربتك ووسع فى رزقك فأد ما تراكم فى ذمتك من حقوق الله {سيجعل الله بعد عسر يسرا} الطلاق ٧، عن السؤالين الثانى والثالث إن زواج المسلم بامرأة مسيحية وأكل طعامهم وذبائحهم جائز بنص القرآن الكريم فى قوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان} المائدة ٥، وفى الحديث الشريف الذى رواه البخارى والنسائى وابن ماجه كما جاء فى نيل الأوطار ج ٨ ص ١٣٩ عن عائشة (أن قوما قالوا يارسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندرى أذكر اسم الله عليه أم لا - فقال سموا عليه أنتم وكلوا) .
وفى هذا الدليل الواضح على حل طعام أهل الكتاب وذبائحهم، وأن على المسلم احتياطا فى الدين أن يذكر اسم الله حين ابتداء الأكل كأمر الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث، وهذا ما لم يتأكد المسلم من أن ذبح غير المسلم وقع بالخنق وغيره من الطرق التى تجعل الذبيحة ميتة.
لما كان ذلك كان للسائل التمتع بأموال زوجته المسيحية ما دامت قد أحلتها له وأباحت له الانتفاع منها، لأنه على ما يبدو من السؤال ليست كل أموالها وإنما هى مختلطة، والأموال التى اختلط فيه الحلال والحرام بحيث لا يمكن الفصل بينهما تصير مباحة ضرورة (حاشية رد المحتار لابن عابدين ج ٤ ص ١٣٧ فى كتاب البيوع) وكان له أيضا أكل لحوم ذبائح أهل الكتاب ومنهم المسيحيون مع التسمية عند ابتداء الأكل اخذا بنص ذلك الحديث الشريف.
عن السؤال الرابع إن الله فرض فرائض متنوعة لكل منها أوقاتها وشروطها، وهى فى مجموعها أسس الإسلام، فإذا حال عذر دون أداء واحد منها فورا لم يكن ذلك مدعاة للامتناع عن أداء باقى الفرائض، يدل لذلك قول الله سبحانه {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن ١٦، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنن ابن ماجه ج ١ ص ٤، ٥ ونصه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشىء فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فانتهوا) .
وإذا كان ذلك كان ترك السائل أداء الصلوات فى مواقيتها لأنه عجز عن صوم كل شهر رمضان خطأ فى الدين، وعليه أن يؤدى من العبادات ما استطاع وإلا كان تاركا للصلاة بدون عزر واستحق عقاب الله.
ولعله إن داوم على الصلاة وحافظ عليها أعانه الله ووفقه إلى الطاعات والفروض الأخرى كالصوم قال تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} العنكبوت ٤٥، والله سبحانه وتعالى أعلم