[التوكيل فى شراء الهدى وذبحه]
المفتي
محمد مجاهد.
١١ ذوالقعدة سنة ١٤٠٦ هجرية - ١٧ يوليو سنة ١٩٨٦ م
المبادئ
١ - أقل ما يجزىء فى الهدى عن الواحد شاه.
وتجزىء الناقة أو البقرة عن سبعة لكل واحد منهم سبعها اذا كان الجميع يريدون الفدية.
٢ - نص فقهاء المذهب الحنفى على أنه يندب لصاحب الهدى أن يأكل من هدى التطوع والمتعة والقرأن فقط ويستحب أن يجعله أثلاثا ثلث يأكله وثلث يتصدق به وثلث يهديه.
٣ - لا يجوز بيع شىء من لحم الهدى ولا اعطاء الجزار أجره منه فان فعل ذلك تصدق بقيمته.
٤ - أراقة الدم فى الأضحية والهدى نوع من أنواع القرب وشعيرة من شعائر الإسلام
السؤال
من السيد / سكرتير جمعية تيسير الحج للعاملين بالمقاولين العرب لطلبه المتضمن أن حكومة المملكة العربية السعودية استحدثت نظاما لذبح الهدى من الغنم وسلخه وتجميده آليا.
ومؤدى هذا النظام أن يتقدم الحاج إلى أحد البنوك ويدفع له ثمن الهدى.
ويتسلم منه استمارة يتقدم بها إلى مذبح آلى ثم ينصرف.
وتعنى هذه الطريقة أن الحاج يوكل ادارة هذا المذبح فى ذبح هديه والتصرف بتجميده وارساله إلى بعض الدول الإسلامية النامية باعتبارها صدقات وهدايا الحجيج اليها.
ويحدث هذا دون أن يكون بامكان الحاج الحصول على أى شىء من هديه ليأكله.
وأن من نشاط جمعية تيسير الحج للعاملين بالمقاولين العرب تنظيم بعثة للحج سنويا قوامها حوالى ثلاثمائة حاج.
وهم منذ سفرهم إلى عودتهم يحيون حياة جماعية فى كل شىء وأن من بين تنظيماتهم فى الحج تشكيل لجنة الهدى تتلقى رغبات وتوكيلات الأعضاء فى شراء الهدى ونحره والتصرف فيه بطريقة جماعية أيضا فهل يجوز لهذه اللجنة تسليم المذبح الآلى المذكور جزءا من الهدى لهذه المجموعة - يعادل نسبة الهدايا والصدقات من هديها ويخصص الباقى لأكل المجموعة.
واذا جاز هذا التصرف فهل توجد نسبة محددة من الهدى تخصص للهدايا والصدقات وأخرى للأكل
الجواب
ان الهدى اسم لما يهدى إلى الحرم ويذبح فيه.
وهو من الابل والبقر والغنم وأقل ما يجزىء عن الواحد شاة.
وتجزىء الناقة أو البقرة عن سبعة بشرط أن يكون لكل واحد منهم سبعها اذا كان كل واحد من الشركاء يريد الفدية وينقسم الهدى الى ثلاثة أقسام الأول - واجب لعمل فى الحج والعمرة كهدى التمتع والقرأن.
وكالهدى اللازم لترك واجب من الواجبات. والثانى - هدى منذور وهو واجب بالنذر.
والثالث - هدى تطوع وهو ما تبرع به المحرم.
وقد نص فقهاء المذهب الحنفى على أنه يندب لصاحب الهدى أن يأكل من هدى التطوع والمتعة والقرأن - فقط - اذا بلغ الهدى محله.
لأنه دم نسك فيجوز الأكل منه بمنزلة الأضحية. وحيث جاز له الأكل منه فيستحب أن يجعله أثلاثا.
فيأكل الثلث. ويتصدق بالثلث.
ويهدى الثلث. قال تعالى {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير.
ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} الحج ٢٧، ٢٨،٢٩، وقال {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون.
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين} الحج ٣٦، ٣٧، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم ساق مائة بدنة فى حجة الوداع ذبح منها ثلاثا وستين بيده.
وذبح على رضى الله عنه الباقى. ثم أمر أن يؤخذ بضعة من كل بدنة فوضعت فى قدر ثم أكلا من لحمها وحسوا من مرقها، وروى أنس رضى الله عنه أنه كان قارنا هذا وقد نص الفقهاء أيضا على أن على المهدى أن يتصدق بجلدها وليس له بيع شىء من لحومها وان كان مما يجوز الأكل منه.
فان باع شيئا أو أعطى الجزار أجره منها فعليه أن يتصدق بقيمته لأن القربة انتقلت الى بدله.
فالاقتصار على الأكل والاطعام الوارد فى قوله تعالى {فكلوا منها وأطعموا} دلالة على أنه لا يجوز بيع شىء من الهدايا أو استبداله بالنقود.
ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه (تصدق بجلالها وخطمها ولا تعط الجزار منها) .
فاذا لم يجز اعطاء الجازر أجرته منها فأولى إلا يجوز بيع شىء منها فالهدى من شعائر الله تجب المحافظة عليها.
ألا وان للشعائر فى نظر الإسلام مكانه الفروض المقدسة.
وعلى هذا اتفقت كلمة الفقهاء فى ذبائح الحج.
ولم نر لواحد منهم خلافا فى ذلك.
نزولا على حكم الآيات الصريحة الواضحة وتحقيقا للغرض المقصود.
وهو التقرب إلى الله باراقة الدم. فآيات القرآن الكريم الواردة فى سورة البقرة والمائدة والحج التى تضمن النص على الهدى والأحاديث الصحيحة الواردة فى الأضحية والهدى تقرر أن اراقة الدم نوع من أنواع القرب إلى الله سبحانه وتعالى وأنها شعيرة من شعائر الإسلام التى اعتبرها مظهرا من مظاهره العامة.
ولله سبحانه أن يتبعد عباده بما يشاء بما يدركون من حكمته وبما لا يدركون فيجب علينا اتباع أمر الله الحكيم، سواء أفهمنا معنى حكمته فى تشريعه أو لم نفهمها فطريق التقوى انما هو فى تعظيم شعائر الله والالتزام بما شرعه من الأحكام (ذلك ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب) ومما سبق يتضح أن هذه القربة لا تقوم ولا تتحقق إلا بذبح الحيوان واراقة دمه.
كما أراد الله تعالى.
وأن الله قد امتن على عباده فأباح لهم اذا نحروا هداياهم أن يأكلوا منها وأن يتصدقوا على الفقراء السائل منهم وغير السائل.
قال تعالى {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} أى فاذا سقطت جنوبها على الأرض بعد نحرها فكلوا منها وأطعموا المحتاج.
واذ كان ذلك، فانه لا يجوز مطلقا للجنة الهدى - المشار اليها - والتى تتلقى توكيلات أعضاء بعثة الحج فى شراء الهدى ونحره والتصرف فيه بطريقة جماعية - أن تفكر فى استقطاع جزء مهما قل من قيمة هدى البعثة وتخصيصه لأكلها.
اقامة لهذا الجزء المستقطع من ثمن الهدايا مقام الأكل منها بعد نحرها فى محلها اذ ذاك هو المراد من السؤال.
ذلك أن الفقهاء جميعا يعتبرون التعبد فى هذه المسألة باراقة الدماء.
ولم يكن فى كلام واحد منهم ما يشير إلى جواز استبدالها بالنقود وما تريد أن تفعله اللجنة هو بعينه استبدال الهدى بالنقود وذلك كما وضح غير جائز شرعا وانما الجائز هو الأكل من الهدى بعد نحره فى محله وأننا لو أبحنا لأنفسنا هذا النحو من التفكير والتغيير فى مثل هذه الأحكام.
لأنفتح علينا باب التفكير فى التخلى عن الأعداد والكيفيات التى طلبت فى كثير من العبادات، وبذلك ينفتح باب الشر على مصراعيه ولا يقف ضرره عند حد الأضاحى وفدية الحج.
بل يتعدى إلى كل تشريع شرعه رب العالمين والله أعلم