[وقف خيرى وبيعه بعد تخربه]
المفتي
حسن مأمون.
ذو الحجة ١٣٧٦ هجرية - ١٦ يولية ١٩٥٧ م
المبادئ
١ - إخراج الرجل قطعة من أرضه وعزلها عن أملاكه وجعل ريعها لمن يقوم بخدمة مسجد معين يعتبر ذلك وقفا على المسجد المعين ولو لم يحرر حجة إيقاف بذلك مادام قد سلمها لمتولى شئون هذا المسجد واستولى على ريعها وصرفها فى مصرفه.
٢ - يبدأ من غلة الوقف بالتعمير الضرورى ولو استغرق ذلك جميع الغلة إن كانت، فإن لم تكن هناك غلة أو كانت ولكن لا تكفى استدان المتولى للعمارة بأمر القاضى.
٣ - لا يجوز فى الفقه الحنفى بيع أعيان الوقف العامرة لعمارة باقيها المتخرب.
٤ - إذا تخرب الوقف جميعه وكان غير مسجد وخرج عن دائرة الانتفاع به جاز للناظر - باذن القاضى - بيعه وشراء عين بدله تغل ريعا يضمن راتبا مستمرا للمستحقين، فإن لم يمكن شراء عين بدله ذات ريع بطل الوقف وصف الثمن إلى ورثة الواقف إن كانوا وإلا صار إلى الفقراء.
٥ - إذا تخرب المسجد وموقوفاته يبقى مسجدا أبدا إلى يوم القيامة، فإن خيف على أنقاضه من الضياع بيعت بإذن القاضى مع جميع لوازمه وصرف ثمن ذلك فى عمارة ومصالح أقرب مسجد إليه وتبقى العرصة مسجدا.
٦ - عمارة المسجد إذا تخرب تجب فى بيت مال السلمين - عند ابن الحاجب.
٧ - يجوز عند الحنابلة بيع بعض الموقوف لإصلاح باقيه إذا اتحد الواقف والجهة الموقوف عليها وقد أخذ بذلك فى الفقرة الأخيرة من المادة ٥٥ من القانون ٤٧ سنة ١٩٤٦
السؤال
من السيد / عبد الحفيظ عبد الخالق بالطلب المتضمن أن جده الأعلى الحاج عبد الخالق توفى من نحو مائة سنة وقبل وفاته أخرج نصف فدان أرضا زراعية لمن يقوم بخدمة مسجد سيدى مخلوف بلقانة وأن الإشراف على المسجد وعلى هذه الأرض آل إلى الطالب أخيرا بعد وفاة المتولى السابق وأن إيراد هذه الأرض ١٢ جنيها سنويا.
وأن المسجد قد أوقفت فيه الشعائر بسبب تهدم دورة مياهه من أكثر من خمس سنوات وأنه ليس فى حاجة إلى خدم الأن والمصلحة فى بيع هذه القطعة وصرف ثمنها فى عمارة المسجد - وأن وزارة الصحة أحجمت عن مساعدة أهل البلد فى عمارة المسجد رغم استعدادهم لدفع مبالغ مائة جنيه مساعدة - وسأل هل يجوز شرعا بيع هذه القطعة وصرف ثمنها فى تعمير المسجد أو لا
الجواب
إن إخراج جد السائل هذه القطعة المسئول عنها وعزلها عن أملاكه وجعل ريعها لمن يقوم بخدمة مسجد سيدى مخلوف بلقانه يعتبر ذك منه وقفا لها على هذا المسجد وإن لم يحرر بذلك حجة إيقاف شرعية مادام أن المتولى لشئون المسجد قد تسلمها واستولى على ريعها وصرفه فى مصرفه الذى عينه جد السائل من تاريخ إخراجها إلى الآن - جاء فى الفتاوى الهندية جزء ٥٢ ص ٣٥٩ (لو قال جعلت حجرتى هذه لدهن سراج المسجد ولم يزد على ذلك قال الفقيه أبو جعفر تصير الحجرة وقفا على المسجد إذا سلمها إلى المتولى وعليه الفتوى كذا من فتاوى قاضيخان - ومثل دهن سراج المسجد فى ذلك جميع مصالح المسجد فان الوقف على عمارة المسجد ومرمته ومصالحه اللازمة له والإنفاق فيما يحتاجه حتى بقى صالحا لأداء الغرض المقصود منه كدفع أجور الأئمة والمؤذنين والخدم والحصر والبسط ومياه الوضوء من أعمال البر الخالدة.
والوقف فى هذه الأغراض كلها أو بعضها وقف على نفس المسجد لأن المعنى يجمعها كلها - قال صاحب الهندية والأصح ما قاله الإمام ظهير الدين أن الوقف على عمارة المسجد وعلى مصالح المسجد سواء كذا فى الفتح) وقد جاء النص على ذلك لك من ابن عابدين وفى الاسعاف صفحة (١٤) وقف أرضه على المسجد الفلانى فالصحيح اتفاق الصاحبين على الجواز لأن الوقف على المسجد بمنزلة جعل الأرض مسجدا أو الزيادة فيه.
إذا تقرر ذلك وكانت هذه القطعة وقفا على المسجد وأن هذا المسجد قد تخرب دورة مياهه ولم يمكن إصلاحه من مدة تزيد عن خمس سنوات وأن الناس فى حاجة ماسة إلى إصلاحه لإقامة الشعائر وليس لديهم من الوسائل المادية ما يستطيعون بها إصلاحه حتى يعود إلى حالته الأولى إلا ببيع هذه القطعة وصرف ثمنها فى هذا الغرض كما قال السائل فى استفتائه فهل يجوز ذلك شرعا المنصوص عليه أنه إذا كان التعمير ضروريا ولم توجد غلة ولا أموال متوفرة للوقف ولم يمكن إجارته إلى من يدفع الأجرة معجلة لتصرف فى عمارته فان المتولى على الوقف يستدين بأمر القاضى ما يصرفه فى عمارته ثم يوفى الدين من غلته بعد العمارة، ولا صح له أن يصرف شيئا من الغلة إلى مستحق ما قبل وفاة الدين لأنه كالعمارة فيقدم على الصرف إلى المستحقين وأرباب الشعائر وغيرهم ولو خالف المتولى ذلك كان ضامنا - قال ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار تعليقا على قول صاحب الدر يبدأ بعد العمارة بما هو أقرب إليها الخ نقلا عن الحاوى المقدسى (والذى يبدأ من ارتفاع الوقف أى غلته عمارته شرط الواقف أولا ثم ما هو أقرب إلى العمارة وأعم لمصلحة كالإمام للمسجد والمدرس للمدرسة ثم السراج والبسط كذلك إلى آخر المصالح هذا إذا لم يكن معينا.
فإن كان الوقف معينا على شئ يصرف إليه بعد عمارة البناء إلى أن قال ثم لا يخفى أن تعبير الحاوى بثم يفيد تقديم العمارة على الجميع كما هو إطلاق المتون فيصرف إليهم الفاضل عنها - ثم قال فيقدم أولا العمارة الضرورية ثم الأهم فالأهم من المصالح والشعائر بقدر ما يقوم به الحال فان فضل شئ يعطى لبقية المستحقين غذ لا شك أن مراد الواقف انتظام حال مسجده لا مجرد انتفاع أهل الوقف وإن لزم تعطليه - وانتهى بقوله والحاصل مما تقدم وتحرر أنه يبدأ بالتعمير الضرورى حتى لو استغرق جميع الغلة صرفت كلها إليه ولا يعطى أحد ولو إماما أو مأذونا فلو فضل عن التعمير شئ يعطى ما كان أقرب إليه مما كان فى قطعة ضرر بين.
هذا إذا كان للوقف غلة يمكن تعميره منها فان لم تكن له غلة أو كانت ولكن لا تكفى عمارته استدان المتولى لها بأمر القاضى.
قال صاحب الدر لا تجوز الاستدانة على الوقف إلا إذا احتيج إليها لمصلحة الوقف كتعمير وشراء بذور فيجوز بشرطين - الأول إذن القاضى.
الثانى أن لا يتيسر إجارة العين والصرف من إجارتها.
وجاء فى حاشية رد المحتار تعليقا على ذلك أطلق الإجارة فشمل الطويلة منها ولو بعقود فلو وجد ذلك لا يستدين إفادة البيرى وما سلف من أن المفتى به بطلان الإجارة الطويلة فذاك عند عدم الضرورة - وقال نقلا عن الدر المنتقى فى كلام المصنف إشارة إلى أن الخان لو احتاج إلى المرمة أجر بيتا أو بيتين وأنفق عليه.
وفى رواية يؤذن للناص بالنزول سنة ويؤجر سنة أخرى ويرم من أجرته.
وقال الناطفى القياس فى المسجد أن يجوز إجارة سطحه لمرمته محيط.
وفى البر جندى والظاهر أن حكم عمارة المسجد والحوض والبئر وأمثالها حكم الوقف على الفقراء..
وفى الهندية إن لم يأمر الواقف بالاستدانة تكلموا فيه والأصح أنه إن لم يكن له بد منه يرفع الأمر إلى القاضى حتى يأمر بالاستدانة كذا قال الفقيه رحمه الله تعالى ثم يرجع فى الغلة كذا فى المضمرات.
ما سبق من النصوص يظهر أن العمارة الضرورية التى لابد منها لإعادة الموقوف إلى الحالة التى كان عليها حتى يؤدى الغرض المقصود منه مقدمة على جميع المستحقين وأرباب الشعائر وللمتولى أن يصرف غلة الوقف على جميع المستحقين وأرباب الشعائر وللمتولى أن يصرف غلة الوقف فى سبيلها وإن لم يأخذ المستحقون شيئا منها فإذا لم يكن للوقف غلة متوفرة أجره ولو لمدة طويلة لمن يرغب فيه بأجرة معجلة وعمر بها.
فإن لم يجد من يرغب فى التأجير على هذا الوجه استدان على الوقف بإذن القاضى ما يعمره به ثم يؤدى الدين من غلته المستقبلة حتى يخلص عينه من الدين ومنع رواتب المستحقين لعمارته لأن سداد الدين مقدم على الدفع إلى المستحقين كالعمارة سواء بسواء.
ولم يرد نص عن فقهاء الحنفية يجيز بيع أعيان الوقف العامرة (كقطعة الأرض المسئول عنها) فى عمارة باقيها المخربة كالمسجد المسئول عنه.
نعم انهم ذكروا أنه إذا تخرب الوقف جميعه وخرج عن دائرة الانتفاع به جاز لمتوليه باذن القاضى إليه وشراء عين غيره تكون ذات ريع يضمن راتبا مستمرا للمستحقين.
فإن لم يمكن شراء عين أخرى كذلك بطل الوقف وصرف الثمن إلى ورثة الواقف إن وجدوا وإلا إلى الفقراء - وهذا فى وقف غير المسجد - أما فى وقف المسجد فالصحيح المفتى به الذى اختاره أكثر المتأخرين للفتوى أن المسجد وموقوفاته تبقى مسجدا أبدا إلى يوم القيامة.
فلو تخرب وانصرف الناس عنه إلى مسجد آخر غيره وخيف على أنقاضه الضياع جاز بإذن القاضى بيع أنقاضه وجميع لوازمه وصرف ثمنها فى عمارة ومصالح أقرب مسجد إليه.
وتبقى العرصة بعد ذلك مسجدا لأن أداء الصلاة فيها ممكن مع ذلك - وليس المسجد المسئول عنه كذلك لأن ريع القطعة الموقوفة عليه فى السنين الماضية من تاريخ تخربه إلى الآن مضافا إليها أجرتها فى أعوام قادمة وذلك متيسر بأجرة معجلة مع مبلغ المائة جنيه المتبرع بها من البلدة المذكورة مما يمكن إصلاح المسجد بمجموعة دون حاجة إلى بيع هذه القطعة - على أن الواجب كما ذكر صاحب أنفع الوسائل أن يعمر مثل هذا المسجد من بيت مال المسلمين - هذا قد نقل المرحوم الشيخ عشوب فى كتاب الوقف صفحة ١٥٤ أن المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم بك وكيل كلية الحقوق ذكر فى بحثه المنشور بالعدد السابع من مجلة القانون والاقتصاد عن المنتهى وشرحه أن الإمام أحمد رضى الله عنه يقول بجواز بيع بعض الموقوف لإصلاح باقيه إذا اتحد الواقف والجهة الموقوف عليها.
فان كان الموقوف علينين على جهة واحدة من واقف واحد فتابع إحداهما لإصلاح الأخرى ز وكذلك إذا كان الموقوف عينا واحدا بيع بعضها لإصلاح باقيها.
فان تعدد الواقف أو اختلفت الجهة لم يجز البيع وهو قول حق لو أخذ به حل مشاكل كثيرة وأمكن بناء عليه بيع القطعة المسئول عنها وصرف ثمنها فى عمارة هذا المسجد حتى يعود إلى حالته الأولى فى أقرب وقت دون انتظار ما يجود به المتصدقون وقد لا يستجيبون.
ورأى الحنابلة المذكورة هو ما أخذت به الفقرة الأخير من المادة ٥٥ من قانون الوقف رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦.
فإذا أراد المتولى على هذا الوقف أن يبيع من نصف الفدان الموقوف على المسجد شيئا منه أو أن يبيعه كله فليعرض الأمر على المحكمة المختصة لتصدر قرارها بما تراه صالحا للمسجد الموقوف عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم