للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحكم بموت المفقود]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

ذو القعدة ١٤٠١ هجرية - ٧ سبتمبر ١٩٨١ م

المبادئ

١ - المفقود يعتبر حيا فى حق الأحكام التى تضره ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره.

٢ - الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على العكس.

٣ - يحكم بموت المفقود وتعتد زوجته عدة الوفاة من تاريخ الحكم بموته وتوزع تركته على ورثته الموجودين وقت صدور الحكم.

٤ - ترفع الدعوى بطلب الحكم بوفاة المفقود اعتبارا.

على وكيله سواء كان وكيلا لإدارة أمواله أو وكيل خصومة أقامه القاضى

السؤال

بكتاب الهيئة العامة للاستعلامات - الإدارة العامة للعلاقات الخارجية - وحدة تركيا المؤرخ ١٢/٧/١٩٨١ الموجه إلى مجلة منبر الإسلام، المقيد برقم ٢٥٦ سنة ١٩٨١ بشأن السؤال الوارد معه من سماحة مفتى ولاية الموشى بتركيا وقد جاء به ماذا تقولون فى زوجة تزوجت برجل، وبعد الزفاف بعشرين يوما تركها زوجها عند أبيه وغاب غيبة انقطع خبره، ولم يعلم مكانه، ولا حياته، ومضى على غيابه ما يقارب أربع سنوات، والزوجة تنتظر رجوعه أو خبر موته، وما ترك لها ما لا تنفق منه على نفسها، ولا يوجد من ينفق عليها قرضا على زوجها الغائب، فماذا يكون الحل الشرعى فى حق هذه المرأة المسلمة.

هل لها فسخ النكاح أم لا. وإذا كان لها الفسخ، هل تستقل به أم لا.

وهل للقاضى الشرعى تعيين مدة للإنتظار، ثم بعده الفسخ أم يحسبها على الصبر إلى العمر الغالب.

أجيبوا عن هذه المشكلة جزاكم الله خير الجزاء

الجواب

فى كتب لغة العرب أن المفقود اسم مفعول من فقدت الشىء، إذا أضللته يقال فقد الشىء يفقده فقدا، بمعنى غاب عنه وعدمه.

وقد نقل الزيلعى (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج - ٣ ص ٣١٠) عن النهاية أنه فى اللغة من الاضداد، يقول الرجل فقدت الشىء، أى أضللته وفقدته أى طلبته، وكل من المعنيين متحقق فى المفقود، فقد ضل عن أهله، وهم فى طلبه.

وقد اصطلح الفقهاء على أن المفقود هو الغائب الذى لا يدرى مكانه، ولا حياته، ولا موته.

وقد ذهب فقه مذهب أبى حنيفة إلى أنه لا يعتبر الجهل بمكان المفقود، وأن عدم معرفة حياة الشخص أو وفاته هو الأساس فى اعتباره مفقودا ومن ثم اعتبروا الأسير فى دار الحرب الذى لا تعرف حياته أو وفاته مفقودا، مع أن مكانه قد يكون معلوما.

ولما كان المفقود مجهول الحال، أحى هو، أو ميت، اعتبره الفقهاء حيا فى حق الأحكام التى تضره، وهى التى تتوقف على ثبوت موته فلا يقسم ماله على ورثته، ولا تفسخ إجاراته عند من يقول بفسخها بالموت، وهم فقهاء المذهب الحنفى، ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته.

ويعتبر ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره وهى المتوقفة على ثبوت حياته، فلا يرث من غيره، ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به، بل يوقف نصيبه فى الإرث والوصية إلى ظهور حياته، أو الحكم بوفاته، فإذا ظهر حيا أخذ الإرث والوصية، وإذا حكم بموته قسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته وأما ما يوقف له من الميراث فيرد إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث، وترد الوصية إلى ورثة الموصى، وقد بنى الفقهاء هذه الأحكام على قاعدة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على زواله.

ويعبرون عن هذا الأصل أيضا بأنه استصحاب الحال وهو الحكم ببقاء أمر محقق يظن عدمه، وقالوا إن هذا الأصل يصلح حجة للدفع، لا للاستحقاق.

ما المدة التى يحكم بعدها بموت المفقود لم يرد نص فى القرآن الكريم، ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يحدد الزمن الذى يحكم بفواته بموت المفقود، لا صراحة ولا دلالة ومن ثم كان اختلاف الفقهاء فى تحديد هذا الزمن فقد ذهب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة إلى أنه لا يحكم بموت المفقود إلا إذا مات أقرانه وقدر موت أقرانه ببلوغ المفقود عشرين ومائة سنة من تاريخ ولادته وقيل ببلوغه مائة سنة، وقيل ببلوغه تسعين سنة، وقيل سبعين سنة، وقيل بموت أقرانه فى بلده.

وقد اختار الزيلعى ووافقه كثيرون أنه يفوض إلى رأى الإمام لأنه يختلف باختلاف البلاد والأشخاص، فيجتهد، ويحكم بالقرائن الظاهر الدالة على موته أو حياته، وبعد الحكم بوفاة المفقود، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل لأزواج (المرجع السابق ص ٣١٠ إلى ٣١٢ كتاب المفقود ط.

المطبعة الأميرية ببولاق سنة ١٣١٣ هجرية، وحاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار للحصكفى ج - ٣ ص ٤٥٣ وما بعدها، والمبسوط للسرخسى ج - ١١ ص ٣٤ إلى ٤٩، ومختصر الطحاوى ص ٤٠٣ ط.

دار الكتاب العربى سنة ١٣٧٠ هجرية) وفى فقه مذهب الإمام مالك ان من فقد فى بلاد المسلمين، فى حال يغلب فيها الهلال، وقد انقطعت أخباره عن زوجته وأهله، كما إذا فقد فى معارك بين المسلمين أو فى بلد عمه الوباء، كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى القاضى للبحث عنه ن وبعد العجز عن الوقوف على خبره أو تعرف أثره، تعتد زوجته عدة الوفاة، ولها أن تتزوج بعد العدة وبورث ماله، أى يعتبر ميتا بدون حاجة إلى الحكم القاضى بالنسبة لزوجته وأمواله.

وأما إن كان قد فقد فى بلاد الإسلام فى حال لا يغلب فيها الهلاك وقد انقطع خبره عن آله وزوجته، فإذا رفعت هذه أمرها إلى القاضى حكم بوفاته بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده، واعتدت عدة الوفاة، وحلت للأزواج بعد انقضائها، وأما أمواله فلا تورث عنه ألا بعد مضى مدة التعمير، وهى سبعون سنة من تاريخ ولادته.

وأما إذا كان قد فقد فى غير بلاد الإسلام، فى حال يغلب فيها الهلاك كمن فقد فى حرب بين المسلمين وأعدائهم، ورفعت الزوجة أمرها إلى القاضى، فإنه بعد البحث والتحرى عنه، يضرب له أجل سنة فإذا انقضت اعتدت الزوجة وحلت للأزواج بعد انقضاء عدتها، ويورث ماله لورثته وقت انقضاء هذا الأجل (شرح منح الجليل على مختصر خليل ج - ٢ ص ٣٨٥ وما بعدها فى مسائل زوجة المفقود وج - ٤ ص ١٨١ وما بعدها من شرح الزرقانى على متن خليل وحواشيه وج - ٢ ص ٥٤٢ وما بعدها من حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل) هذا وقد أخذ بعض (ص ٤٥٦ ج - ٢ من الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى كتاب المفقود) فقهاء مذهب أبى حنيفة بما ذهب إليه الفقه المالكى، تيسيرا على زوجة المفقود ورفقا لحرج انتظارها إياه حتى موت أقرانه، أو غير هذا من تلك المدد الزمنية السابق التنويه عنها.

وفى فقه مذهب الإمام الشافعى فى القديم تتربص زوجة المفقود أربع سنين، وهى أعلى مدة الحمل، وأربعة أشهر وعشرا لعدة الوفاة، وفى رواية حتى يبلغ سن المفقود تسعين سنة منذ ولادته ثم تحل للأزواج، وفى جديد الشافعى أن المفقود هو الذى اندرس خبره وأثره وغلب على الظن موته، ولا ينفسخ نكاحه حتى تقوم البينة بموته ورجع عن القول بتربصها أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتتزوج (الأم للشافعى ج - ٧ ص ٢١٩ و ٢٢٠ باب المفقود ط.

أولى المطبعة الأميرية سنة ١٣٢٥ هجرية وص ٨٦ و ٨٧ من حاشية البيجرمى على شرح منهج الطلاب ج - ٤٠ ط.

دار الكتب العربية وتحفة المحتار وحواشيه بشرح المنهاج ج - ٨ ص ٢٥٣ و ٢٥٤ المطبعة التجارية بالقاهرة فى باب العدة) وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى انه إذا غاب الرجل عن امرأته غيبة غير منقطعة، يعرف خبره ويأتى كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج فى قول أهل العلم أجمعين إلا أن تتعذر الإنفاق عليها، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه.

أما إن كان المفقود قد غاب، وفقد فى حال يغلب فيها الهلاك بأن خرج فى حرب ولم يعد، أو كان فى سفينة قد غرقت ونجا بعض ركابها وغرق الباقون، يحكم بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده وتقسم أمواله على ورثته وقت الحكم بموته، بعد هذه المدة وتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الحكم بموته، وتحل للأزواج عقب انتهاء هذه العدة.

أما إن كان المفقود قد فقد فى حال لا يغلب فيها الهلاك، كما إذا كان قد خرج للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم، فإنه يبحث عنه بكل الوسائل، فإنه غلب على ظن القاضى من تتبع أثره، واستظهار أخباره أنه قد مات حكم بموته، وإلا انتظر حتى تقوم قرينة على موته أو بموت أقرانه فى بلده، وقدر فقه هذا المذهب موت الأقران اعتبارا بتسعين سنة (المغنى لابن قدامة ج - ٩ ص ١٣٠ حتى ص ١٤٥ فى أحكام المفقود الغائب عن زوجه وأمواله وقد استوفى ايراد وشرح أقوال فقهاء الصحابة والتابعين وفقه مذاهب الأمصار وسبق أن أورد القول فى ميراث المفقود ج - ٧ ص ٢٠٥ وما بعدها المطبوع مع الشرح الكبير مطبعة المنار سنة ١٣٤٨ هجرية) تلك خلاصة لما تردد من أقوال فقهاء المذاهب الأربعة فى شأن المفقود والمدة التى تتربص فيها زوجته انتظارا لعودته.

وقد كان أمر المفقود، سواء من حيث حكم زوجته، أو حكم تركته، محكوما فى مصر بالمشهور فى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة وهو الانتظار حتى يبلغ سنه تسعين سنة منذ ولادته، حتى صدر القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ بتنظيم أحكام المفقود فنصت المادة ٢١ من هذا القانون على أنه (يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك، بعد أربع سنين من تاريخ فقده.

وأما فى جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التى يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضى، وذلك كله بعد التحرى عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حيا أو ميتا) .

ونصت المادة - ٢٢ من ذات القانون على أنه (بعد الحكم بموت المفقود بالصفة المبينة فى المادة السابقة، تعتد زوجته عدة الوفاة، وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت الحكم) .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لهاتين المادتين رأت الوزارة أن تضع أحكاما لأحوال المفقود، تصلح من الحال الموجود الآن، وتتناسب مع حال العصر الحاضر بقدر المستطاع ولما كان بعض المفقودين يفقد فى حال يظن معها موته، كمن يخرج لقضاء حاجة قريبة ولا يعود، أو يفقد فى ميدان القتال، والبعض الآخر يفقد فى حال يظن معها بقاؤه سالما، كمن يغيب للتجارة أن لطلب العلم أو للسياحة ثم لا يعود، رأت الوزارة الأخذ بمذهب الإمام أحمد بن حنبل فى الحالة الأولى، وبقول مصحح فى مذهبه وبمذهب الإمام أبى حنيفة فى الحالة الثانية.

ففى الحالة الأولى ينتظر إلى تمام أربع سنين من حين فقده، فإذا لم يعد وبحث عنه فلم يوجد، اعتدت زوجته عدة الوفاة وحلت للأزواج بعدها وقسم ماله بين ورثته بعد الحكم بموته اعتبارا من القاضى.

وفى الحالة الثانية يترك أمر تقدير المدة التى يعيش بعدها المفقود إلى القاضى، فإذا بحث عنه فى مظان وجوده بكل الطرق الممكنة وتحرى عنه بما يوصل إلى معرفة حاله فلم يجده، وتبين أن مثله لا يعيش إلى هذا الوقت حكم بموته.

ولما كان الراجح من مذهب أبى حنيفة أنه لابد من حكم القاضى بموت المفقود، وأنه من تاريخ الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويستحق تركته ورثته الموجودون وقت صدور الحكم، رؤى الأخذ بمذهبه فى الحالتين، لأنه أضبط وأصلح لنظام العمل فى القضاء.

وقد صدر فى مصر القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٥٨ بتعديل المادتين ٢١، ٢٢ من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ فأناط التعديل لوزير الدفاع فيما يختص بالمفقودين من رجال القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية أن يصدر قرارا باعتبارهم موتى بعد مضى الأربع سنوات، ويقوم هذا القرار مقام الحكم، بحيث تعتد زوجة المفقود من أفراد القوات المسلحة وتقسم تركته من وقت صدور قرار وزير الدفاع باعتبار المفقودين منهم موتى.

لما كان ذلك وكان الظاهر مما تردد فى كتب فقهاء المذاهب اختلافهم فى المدة التى تتربصها زوجة المفقود بعد فقده، واختلافهم كذلك فيما إذا كانت تحل للأزواج بعدها دون توقف على حكم من القاضى أو لا تحل إلا بعد الحكم من القاضى بموت المفقود بعد قيام الحجة أمامه على ذلك.

ولما كان بعض فقهاء مذهب (الزيلعى ومن وافقه حسبما تقدم) للإمام أبى حنيفة قد صحح تفويض المدة التى يحكم بعدها إلى رأى الإمام،وهذا الرأى قريب من فقه مذهب الإمام (المراجع السابقة فى فقه الامام الشافعى) الشافعى فى الجديد، كما أن الصحيح فى فقه الإمام (الروض المربع للبهوتى،شرح زاد المستصنع للحجاوى فى كتاب العدة ص ٤٤٩ ط.

دار المعارف بمصر) أحمد أن زوجة المفقود تتربص أربع سنين من تاريخ فقده، ثم تعتد عدة الوفاة فى الأحوال التى يغلب عليه فيها الهلاك، وكان القضاء فى مصر قد جرى على مذهب الإمام أبى حنيفة فى ضرورة صدور حكم من القاضى بوفاة الزوج المفقود لتحل زوجته من بعده للأزواج، وتقسم تركته على ورثته وقت صدور الحكم، لأنه أضبط وأصلح احتياطا للفروج التى لا تحل إلا بكلمة الله.

لما كان ذلك تكون الفتوى فى شكاة زوجة المفقود المسئول عنها أولا انه ليس لهذه الزوجة فسخ النكاح، أخذا بالأحوط لأن الأصل فى الفروج التحريم فإذا تقابل فى المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة، ابتاعا لفقه مذهبى (الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى ص ٣٣ والأشباه والنظائر للسيوطى الشافعى ص ٦١ كلاهما فى قاعدة الأصل فى الابضاع التحريم) الإمامين أبى حنيفة والشافعى وعدولا عن مذهب الإمام مالك الذى يجيز لها فى بعض الصور أن ترفع المر إلى القاضى للبحث عنه، ثم تعتد عدة الوفاة - حسبما تقدم - وعن مذهب الإمام أحمد الذى يقضى فى بعض الصور كذلك بتربص زوجة المفقود أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة وبذلك تحل للأزواج دون توقف على صدور حكم من القاضى، والعدول عن الأخذ بمذهبى الإمامين مالك وأحمد فى هذا من باب الاحتياط للفروج - كما تقدم - ومن ثم فإنى أميل إلى الفتوى بالالتجاء إلى القاضى الذى يحكم بعد سماع البينة، واستظهار القرائن بما تؤدى إليه الأدلة، وليس للقاضى الشرعى تعيين مدة للانتظام ثم الاعتداد، ثم الفسخ، إلا إذا كان قانونه الذى تولى القضاء بمقتضاه يرخص له فى اتباع مذهب الإمام مالك أو مذهب الإمام أحمد.

كما أنه ليس لهذه الزوجة التربص أربع سنين، ثم الاعتداد عدة الوفاة لتحل للزواج، بدون حكم من القاضى.

ثانيا ليس حتما على القاضى الشرعى حبس هذه الزوجة على الصبر إلى العمر الغالب، وله دفعا للإعنات الذى لحقها بغيبة زوجها عنها هذه المدة أن يأخذ بما جرى عليه القانون والقضاء فى مصر، تطبيقا للقول الذى اختاره الزيلعى ومن وافقه من المتأخرين من فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة وللقول الصحيح فى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذى يقضى بأنه إذا كان الزوج المفقود قد فقد فى حال يظن معها موته كمن خرج للصلاة ثم لم يعد، أو كان فقده فى ميدان قتال، رفعت زوجته أو أحد ورثته أمره إلى القاضى للتحقق من حال فقده والتحرى والبحث عنه، واستماع البينة واستظهار القرائن، إذا كانت قد مضت أربع سنين على تاريخ فقده، أما إذا كان هذا المفقود قد خرج أو غاب للتجارة أو لطلب العلم ثم لم يعد، فتلك حال يظن فيها سلامته فيفوض أمر المدة التى يحكم بعدها بموته اعتبارا إلى القاضى على ألا تقل عن أربع سنين، كما فى الحالة الأولى.

وترفع الدعوى، بطلب الحكم بوفاة المفقود اعتبارا فى هاتين الحالتين على وكيل هذا المفقود سواء كان وكيلا لإدارة أمواله، إن كان له أموال، أو كان وكيلا يقيمه القاضى لاختصامه فى هذه الدعوى فهو مدعى عليه بهذا الوصف، على ما هو مبين فى موضعه، من كتب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة (كتاب الدعوى، وكتاب القضاء، وكتاب المفقود) هذا وقد سبقت الإشارة إلى أن بعض فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة رأوا الفتوى فى حكم زوجة المفقود بما فى فقه مذهب الإمام مالك (على ما سبق بيانه) ولكنى لا أميل لمثل هذه الفتوى لأن رفع الأمر إلى القاضى أضبط وأحوط، ولأن حكم القاضى رافع للخلاف فى المجتهد فيه بناء على إجماع الصحابة على أنه الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.

(كتابى الأشباه والنظائر السابقين فى قاعدة الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) والله الموفق للصواب، وهو سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>