للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحروب بين المسلمين]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل الحروب القائمة بين بعض الدول الإسلامية تعد جهادا فى سبيل الله، وقتلاها شهداء؟

الجواب

أولا: ليكن معلوما أن الشهداء أربعة أنواع:

١ -شهيد الدنيا والآخرة، وهو المقتول من المسلمين فى حرب مشروعة ضد الكفار، وكان يبتغى بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، ومقتضى الشهادة فى الدنيا ألا يغسَّل الميت ولا يصلَّى عليه، ومقتضى الشهادة فى الآخرة أن له الأجر العظيم الذى قال الله فيه {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} ال عمران: ١٦٩.

٢ -شهيد الدنيا فقط، وهو المقتول فى الحرب المذكورة ولم يقصد بذلك وجه الله تعالى، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ولكن يحرم من ثواب الآخرة، وذلك للحديث الذى رواه البخارى ومسلم أن أعرابيا قال للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر-أى للشهرة-والرجل يقاتل ليرى مكانه - فمن فى سبيل الله؟ فقال " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله ".

٣-شهيد الآخرة فقط: وهو الذى لم يمت فى الحرب المذكورة، كالغريق، فهو يعامل فى الدنيا معاملة أى ميت آخر من وجوب غسله والصلاة عليه، ولكن الله يعطيه فى الآخرة ثواب الشهداء، لحديث " ما تعدون الشهداء فيكم "؟ قالوا: يا رسول الله من قتل فى سبيل الله فهو شهيد. قال " إن شهداء أمتى إذًا لقليل " قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال " من قتل فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات من البطن فهو شهيد" رواه مسلم. وفى رواية البخارى ومسلم " الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله " وجاء فى روايات أخرى للبخارى والترمذى والنسائى وأحمد أن منهم النفساء والمحروق والميت بذات الجنب، والميت بالسل.

ومن هؤلاء من يقتل دفاعا عن نفسه، فقد روى الترمذى بسند حسن صحيح " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" وكل ذلك فى موت المسلم، أما غيره فلا نصيب له من الشهادة عند الله.

ولا يتعارض هذا مع حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار" قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال " كان حريصا على قتل صاحبه " رواه أحمد وأبو داود والنسائى، فالحديث الأول فى دفاع الضعيف ضد القوى أما الحديث الثانى ففى تقاتل شخصين أو فئتين كل منهما مستعدة للقتال مصممة عليه تعيش مع الأخزى قبل المعركة الحقيقية فى حالة حرب، أى مصممة على خوض المعركة، حريصة على قتل العدو.

ومن هنا نعلم أن القتلى شى معركة بين طائفتين مسلمتين كل منهما مصممة على القتال مستعدة له فى كل وقت لا نصيب لهم من حكم الشهداء دنيا وأخرى، أما القتلى فى معركة بين طائفة معتدية وطائفة مسالمة لا طاقة لها بالأولى فالمعتدون لا يعتبرون شهداء، لأنهم بغاة، والمعتدى عليهم يعتبرون شهداء، لأنهم يدافعون عن أموالهم وأهليهم ودمائهم.

روى مسلم أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن جاء رجل يربد أخذ مالى؟ " فلا تعطه مالك " قال: أرأيت إن قاتلنى؟ قال " قاتله " قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال " فأنت شهيد "- قال: أرأيت إن قتلته؟ قال " هو فى النار ".

ثانيا: إن اعتداء المسلم على أخيه المسلم حرام لاشك فيه، والنصوص في ذلك أشهر من أن تذكر، ومنها حديث رواه مسلم " كل المسلم على المسلم حرام، دمه ومال وعرضه " والواجب على المسلمين أن يتدخلوا عند عدوان شخص أو جماعة أو دولة على الأخرى كما قال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات: ٩.

والتدخل يسمى نصرا، وذلك بالدفاع عن المظلوم ورد الظالم المعتدى كما نص عليه حديث البخارى " انصر أخاك ظلما أو - مظلوما" قال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان.

ظالما كيف أنصره؟ قال " تحجزه أو تمنعه - من الظلم، فإن ذلك نصره ".

والشطر الأول من الآية فى قتال طائفتين متكافئتين أو مصممتين على القتال، فالواجب التدخل لوقف القتال بأية وسيلة منه وسائل التدخل السلمية أو الحربية.

والشطر الثانى فى بغى طائفة قوية- على طائفة ضعيفة،فالواجب التدخل لرد المعتدى بالقتال، والوقوف مع المعتدى عليه، ويستمر قتال المعتدى حتى يرضى بحكم الله والصلح العادل.

ومع الأمر بالتدخل بين الفئتين حذَّر الإسلام من التهاون فقال {واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: ٢٥ وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود " ما من مسلم يخذل امرأ مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله فى موطن يحب فيه نصرته " وقال " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " رواه الحاكم والطبرانى بسند ضعيف

<<  <  ج: ص:  >  >>