[أسباب منع زواج المحرمات لا استثناء فيه]
المفتي
أحمد هريدى.
٣٠ أبريل ١٩٦٦ م
المبادئ
١ - القرابة رابطة قوية تستدعى التكريم والاحترام، وتتطلب كل معانى العطف والحنو، وإحلال عاطفة المتعة بدافع الشهوة محل ذلك فساد فى الوضع ونكسة فى فهم معانى الإنسانية.
٢ - حياة الإنسان ليست عاطفة تقوم على المادة وللمادة، ولكنها المعانى الروحية السامية.
٣ - رابطة الزوجية حينما تتعدى حدود الله تكون مثار قلق واضطراب ولا تلبث أن تنهار من أساسها
السؤال
بطلب قيد برقم ٢٧٠ سنة ١٩٦٦ تضمن أن شابا غير متزوج يعيش مع خالته الشابة المطلقة فى غرفة واحدة لعدم وجود أقارب لها، وأن حالتها العصبية سيئة للغاية، وليس لها عمل ولا كسب وأن دخل الشاب من عمله لا يكاد يكفيهما معا، ولا يستطيع الزواج لضيق المورد، ومخافة أن تسىء الزوجة إلى خالته فتتعرض لسوء المصير وأنه يخشى على نفسه وعلى خالته الوقوع فى المحظور إذا لم يتزوجا.
وقد نشأ بينهما نوع من الحب نتيجة الاشتراك فى المعيشة، ويريد الزواج بها.
ويسأل عن حكم الشرع فى هذا الزواج.
ويقول إن آية تحريم النساء فى قوله تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} النساء ٢٣، لم تنص على عقوبة لمن يخالف الحكم.
كما حدد الشارع عقوبات للجرائم الأخرى - كالكفر والقتل والزنا والسرقة - وايضا فإن آية تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير فى سورة البقرة فى قوله تعالى {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله} البقرة ١٧٣، قد استثنى الله فيها حالات الضرورة، وأباح فيها التناول ونفى الإثم بقوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} البقرة ١٧٣، وحالة الشاب وخالته فى نواحيها كلها حالة ضرورة وينطبق عليها هذا الاضطرار بالفعل - فهل يمكن أن يستفيد من هذه الآية الثانية وهو لا يقصد من هذا الزواج إلا إنقاذ خالته من حالتها النفسية، ومن الجوع والزنا، وإنقاذ نفسه من الوقوع فى الزنا وغيره، وتهيئة حالة اطمئنان لهما يعيشان فى ظلها عيشا هادئا - ويختم السائل حديث سؤاله بقوله إن مزايا هذا الزواج كثيرة، وربما لا توجد مساوىء تنتج عنه، والدين وضع ليعالج جميع الحالات، ولو ترك الناس لأنفسهم لأساءوا باسم الدين ثم يطلب الإفادة عن أسباب منع زواج المحرمات، وعما إذا كان هناك استثناء فى مثل هذه الحالة موضع السؤال أم لا
الجواب
شرع الله سبحانه وتعالى الزواج لتتكون الأسرة وهى أساس المجتمع، واللبنة الأولى فى بنائه الراسخ، وليستقيم نظام العالم ويبقى الإنسان فى عمارة الكون إلى ما شاء الله له من مدى، وجعل الله جلت حكمته صلة الزوجية مبعث مودة ورحمة وسكن قال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم ٢١، ووضعت الشريعة الإسلامية السمحة الأسس القوية ليتم هذا النظام على الوجه الأكمل حتى لا يكون الزواج مبعث قلق وشحناء فتنهار دعائم الأسرة ويؤتى بنيانها من القواعد من حيث يراد تدعيمها وتقويتها والمحافظة عليها.
والقرابة فى جملتها رابطة تستدعى التكريم والاحترام.
وهى إذا كانت قريبة وقوية فإنها تتطلب مع ذلك كل معانى العطف والحنو، فإحلال عاطفة المتعة بدافع الشهوة محل التكريم والاحترام فساد فى الوضع وانتكاس فى فهم معانى الإنسانية، وليست حياة الإنسان عاطفة تقوم على المادة وللمادة، ولكنها المعانى الروحية السامية، وما حبا الله به الإنسان من عقل هى التى تنظم حياة الإنسان وتحد من سلطان المادة وتسمو به فى مدارج الكمال وتقتضيه رعاية الأسرة ورعاية المجتمع، ورابطة الزوجية حين تتخطى فيها حدود الله وينحرف بها عن نظام التشريع الإلهى العادل تكون مثار قلق واضطراب، ومبعث أثرة وأنانية يقويها تقارب المصالح، وتذكى نارها عوامل الحقد والبغضاء، فتقضى على الوفاق والمودة وعاطفة الرحمة والمحبة، وتنهار الأسرة من أساسها - تلك هى الحكمة التى من أجلها شرع تحريم النساء المذكورات فى الآية الكريمة ولم يستثن الله سبحانه وتعالى من هذا التحريم حالات الضرورة والاضطرار كما استثناها فى آية تحريم بعض أنواع الأطعمة فى سورة البقرة، لأن الحكمة التى اقتضت التحريم فى النكاح قائمة فى جميع الأحوال والظروف ولا تتخلف مطلقا، وحالات الضرورة والاضطرار التى اقتضت الاستثناء فى الآية الأخرى لا تتحقق أبدأ فى تحريم الزواج، ولا مجال للقياس فى هذا الشأن مطلقا، أما أمر العقوبة على مخالفة الحكم فى تحريم الزواج فهو مقرر وثابت فى نصوص أخرى، لأن الشارع لما قضى بتحريم زواج النساء المذكورات رتب على مخالفة الحكم بطلان هذا الزواج، وإذن تكون المعاشرة فى هذه الحالة زنا، ويعاقب الفاعل عقاب مرتكب جريمة الزنا وعند من يرى أن العقد شبهة تدرأ الحد المقرر يجب أن يعاقب الشخص بعقوبة تردعه وتزجره - فليس صحيحا أن الشارع لم يقرر عقوبة على مخالفة الحكم هنا - وإذن فلا يحل زواج الشخص من خالته مطلقا فى أية حال مهما كانت الأسباب والدواعى ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم