[شعر الغزل]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
الشعر الذى يتغزل فى النساء، منهى عنه، فكيف يسمعه النبى صلى الله عليه وسلم من كعب بن زهير؟
الجواب
كان من عادة الشعراء العرب أن يبدأوا قصائدهم بالغزل، وقد تكون القصيدة كلها قائمة عليه، وروت كتب السيرة أن كعب بن زهير ابن أبى سلمى لما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم تائبا قال قصيدته التى جاء فيها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم أثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين اذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذى ظلم اذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول ويقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم أعجب بها والبسه بردته.
وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع الشعر فى المسجد من حسان بن ثابت، ودعا أن يؤيده الله بروح القدس كما رواه البخارى، وجاء فى الأدب المفرد للبخارى أنه عليه الصلاة والسلام استنشد عمرو بن الشريد من شعر أمية بن أبى الصلت، فأنشده مائة قافية، وروى أنه كان يستزيده عقب كل قافية بقوله:
هيه، كما رواه مسلم، وكاد أمية أن يسلم، أى فى شعره، كما رواه البخارى ومسلم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن من الشعر لحكمة " كما رواه البخارى، وقال فى شعر لبيد بن ربيعة: أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد ألا كل شىء ما خلا الله باطل، كما رواه البخارى ومسلم ٠ ومن الصحابة، غير حسان، قال الشعر عبد الله بن رواحة وغيره، ولم ينكر عليهم أحد.
وإلى جانب هذه النصوص التى تفيد جواز قول الشعر وسماعه، جاءت نصوص تفيد كذلك النهى عنه والتنفير منه، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لأن يمتلىء جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلىء شعرا " معنى يريه يأكل جوفه ويفسده، مأخوذ من الورى، وهو داء يفسد الجوف. وروى البغوى من حديث مالك بن عمير السلمى أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشعر فنهاه عنه. وجاء فيه "فإن رابك منه شىء فأشبب بامرأتك وامدح راحلتك " ٠ وفى الأدب المفرد اللبخارى حديث " أن أعظم الناس فرية الشاعر يهجو القبيلة بأسرها" وسنده حسن. وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ " أعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها " وصححه ابن حبان.
كذلك وردت فى الشعر نصوص تفصل حكمه، فقد أخرج أبو يعلى بإسناد جيد مرفوعا " الشعر كلام، فحسنه حسن وفى وقبحة قبيج " وقريب من هذا الكلام جاء عن عائشة وعبد الله بن عمر كما رواه البخارى فى الأدب المفرد، واشتهر عن الإمام الشافعى.
إزاء هذه المجموعات الثلاث من النصوص لم يقل العلماء بمدح الشعر مطلقا ولا بذمه مطلقا بل حملوا المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، فقالوا: ما كان منه حسنا فهو حسن، وما كان منه قبيحا فهو قبيح، ويحدد الحسن والقبيح من الشعر قول ابن حجر فى فتح البارى "ج ١٣ ص ١٥٥ ": والذى يتحصل من كلام العلماء فى حد الشعر الجائز أنه إذا لم يكثر منه فى المسجد وخلا عن هجو وعن الإغراق فى المدح والكذب المحض والتغزل بمن لا يحل، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك.
وبناء على هذا يكون ما سمعه النبى صلى الله عليه وسلم من الشعر هو ما كان حسنا، وشعر كعب بن زهير وإن كان فيه تغزل فهو تغزل حلال. وقد تحدث العلماء فى الغزل الحلال، وخلاصة كلامهم: أن الشاعر إذا لم يقصد بالتشبيب امرأة معينة، أى كان مرسلا، أو اختلق لها اسما كسعاد وسلمى غير مقصود به معينة فهو جائز، فإن قصد به امرأة معينة وكانت على قيد الحياة فهو حرام إن كانت أجنبية عنه، لأنه يهيج إليها، كما يحرم وصف الخمر وصفا يغرى بها، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تنعت المرأة المرأة لزوجها، أما غير الأجنبية كزوجته فقد اختلف العلماء فى حكمه، وأختار القول بجوازه، على ألا يتخذ الشعر ديدنا يقصر عليه أكثر أوقاته، فإن المواظبة على اللهو جناية، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة كذلك بعض المباحات