فى قصة نوح عليه السلام قول الله له {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} هود: ٦، نريد توضيحا لذلك؟
الجواب
معروف أن نوحا عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل، وكان ممن كفروا به وزوجته وابن من أبنائه، وبعد صنع السفينة وحمل من آمن فيها وحصول الطوفان وبعد أن نهى الله نوحا أن يتشفع للكافرين مهما كانت صلة القرابة به {ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا أنهم مغرقون} هود: ٣٧، حدث أن رأى نوح ولده يغرق وظن أنه من المؤمنين حيث لم يصرح له بالكفر، فدعاه إلى الركوب فى السفينة {ونادى نوح ابنه وكان فى معزل يابنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} هود:
٤٢ فقد قال {ولا تكن مع للكافرين} ولم يقل من الكافرين. لأنه لو علم بكفره ما ناداه للركوب. وكان رد ولده غير صريح فى إعلان الكفر، بل فيه اعتماد على نفسه وقوته وحيلته التى يمكن أن ينجو بها من الغرق {سآوى إلى جبل يعصمني من الماء} فرد عليه أبوه {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} وكانت النتيجة أن حال بينهما الموج فكان من المغرقين.
ولعدم علم نوح يقينا بكفر ولده سأل ربه مستوضحا لماذا أُغرق فقال {رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} هود: ٤٥، فرد الله عليه بأنه ليس من أهله المؤمنين فى الحقيقة وإن كان يبدو له أنه مؤمن {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} والمعنى أن القرابة المنجية من العذاب هى قرابة الإيمان لا قرابة النسب، وكان عليك أن تتحرى حال ولدك وهو يعيش معك أو قريبا منك لتتأكد من إيمانه، فإن مقامك غير مقام عامة الناس، وليس قوله له {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} وصفا له بأنه جاهل، بل تحذير له أن يكون فى المستقبل جاهلا، كما قال الله لسيدنا محمد {فلا تكونن من الجاهلين} الأنعام: ٢٥، وقوله {وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} القصص: ١٨٧، فلم يكن النبى جاهلا ولا مشركا حين خاطبه الله بذلك، وعلى هذه الصورة كان نوح عليه السلام بريئا مما يخالف عصمة الأنبياء