للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكبائر والصغائر]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

جاء فى بعض التعبيرات عن الذنوب بأن منها كبائر، فهل هناك من ضابط تميز به الكبائر عن الصغائر؟

الجواب

اختلف السلف فى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، فذهب الجمهور إلى ذلك، ومنعه جماعة منهم الإسفرايينى، ونقله عن ابن عباس، وحكاه القاضى عياض عن المحققين. ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية. وحجتهم أن المخالفة بالنسبة إلى جلال اللَّه كبيرة على كل حال. أما الجمهور فحجتهم قوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء: ٣١، وقوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} النجم: ٣٢، وحديث تكفير الذنوب الوارد فى الصلاة والوضوء مقيد باجتناب الكبائر. وبهذا ثبت أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات العامة ومنها ما لا يكفر بها، ولهذا قال الإمام الغزالى: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه. ثم إن مراتب الصغائر والكبائر تختلف بحسب تفاوت مفاسدها، قال الطيبى: الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان، فلابد من أمر يضافان إليه، وهو أحد ثلاثة أشياء: الطاعة والمعصية والثواب، فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر، وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أو عقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهى كبيرة، وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة، فقد وقعت المعاتبة فى حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية. انتهى. قال النووى: واختلفوا فى ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا، فروى عن ابن عباس أنها كل ذنب ختمه اللَّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. قال: وجاء نحو هذا عن الحسن البصرى. وقال آخرون: هى ما أوعد اللَّه عليه بنار فى الآخرة أو أوجب فيه جزاء فى الدنيا.

يقول الشوكانى فى نيل الأوطار "ج ٨ ص ٢٢٢" وممن نص على هذا الإمام أحمد، ومن الشافعية الماوردى، ولفظه: الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد. وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر، منها قول إمام الحرمين: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، وقال الحليمى: كل محرم لعينه منهى عنه لمعنى فى نفسه، وقال الرافعى: هى ما أوجب الحد، وقيل: هى ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة. وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كعقوق الوالدين، وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة، أما العقوق مثلا فقد صح فيه حديث أنه من أكبر الكبائر. قال ابن عباس فى القواعد: لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض، والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها، قال الحافظ:

وهو ضابط جيد. هذا، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار، والإصرار قيل هو التسويف، أى أن يقول:

أتوب غدا. وقيل هو الثبات على المعصية، وقيل هو أن ينوى ألا يتوب، وهو بالمعنى الذى قبله، وروى فى الحديث " لا توبة مع إصرار " القرطبى ج ٤ ص ٢١١". أما عدد الكبائر فمختلف فيه، وما جاء منها فى بعض الأحاديث فليس للحصر، وروى الطبرانى عن ابن عباس أنها إلى السبعين أقرب، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى مقدمة كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى

<<  <  ج: ص:  >  >>