[عورة المرأة]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
١٦ أغسطس ١٩٨١ م
المبادئ
١ - كل مالا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة، يجب سترها ويحرم كشفها.
٢ - المقصود بكلمة (ما ظهر منها) فى قوله تعالى {وقل للمؤمنات} إلخ الآية.
ما جرت العادة بإظهاره، وكان الأصل فيه الظهور بالنسبة للرجال، ومثل الرجل فى هذا الحكم المرأة غير المسلمة.
٣ - عورة المراة بالنسبة للأصناف الاثنى عشر المذكورين فى سورة النور الآية ٣١ - تتحدد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التى أبيح إبداؤها لهم، أما ما عدا ذلك، فلا يجوز إبداؤه مطلقا إلا للزوج.
٤ - مواتب ذوى الأرحام تختلف بحسب ما فى نفوس البشر، فكشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وما يبدى للأب لا يجوز إبداؤه لابن الزوج.
٥ - زوج الأخت لم يرد ضمن هذه الأصناف الاثنى عشر ومن ثم كان أجنبيا عن أخت زوجته، لا يحل له كما لا يحل لها أن تبدى أمامه إلا الزينة الظاهرة التى هى الوجه والكفان.
٦ - لا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه، وبين دخول الرجل على أخت زوجته فى كون كل منهما أجنبى عن الآخر
السؤال
بكتاب المركز الإسلامى - كولونيا - ألمانيا الاتحادية المحرر فى ٨ رجب ١٤٠١ هجرية ١٢ مايو ١٩٨١ م المقيد برقم ١٨٩ سنة ١٩٨١ وقد جاء به المفهوم لدينا أن زوج الأخت ليس من المحارم الذين ذكرهم الله فى سورة النور، وقد أجازت سورة النور فى القرآن الكريم أن تضع المرأة حجابها أمام عبدها، كما أجازت وضع الحجاب عند تحرير العبد أو مكاتبته.
فهل يجوز - بالنسبة لزوج الأخت.
أن تظهر عليه أخت زوجته دون حجاب، طالما أن أختها زوجته على قيد الحياة بحكم حرمتها عليه.
ثم تتحجب أمامه عند موت أختها، باعتبار أنها أصبحت حلا له
الجواب
قال الله سبحانه {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} النور ٣١، فى هذه الآية الكريمة بيان ما يجوز للمرأة إبداؤه من زينتها وما لا يجوز ومن يحل لها أن تبدى بعض الزينة أمامهم من الرجال، ولقد جاءت كلمة (ولا يبدين زينتهن) مرتين فى هذه الآية الأولى بقوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وقد اختلف العلماء فى تحديد المقصود بكلمة (ما ظهر منها) وقدره، هل يكون معناه ما ظهر بحكم الضرورة من غير قصد، أو يكون ما جرت العادة بإطهاره وكان الأصل فقيه الظهور، وقد أثر واشتهر عن أكثر السلف من فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين.
الرأى الثانى، فلقد اشتهر عن ابن عباس وعن أنس أنهما قالا فى تفسير (ما ظهر منها) الكحل والخاتم.
وإباحة إبراز هذين يلزم منها إظهار موضعيهما، وهما الوجه والكفان.
وهذا ما أميل للأخذ به، لأن إظهار (بهذا قال المفسرون الطبرى والقرطبى والزمخشرى والرازى والشوكانى فى فتح القدير وغيرهم فى تفسير هذه الآية) الوجه والكفين ضرورة للتعامل وقضاء المصالح، ولأن فى سترهما حرجا للمرأة التى قد تخرج لكسب قوتها أو تعول أولادها كما أشار إلى هذا الفخر (ص ٢٠٥ و ٢٠٦ ج - ٢٣) الرازى فى تفسيره.
وقوله سبحانه فى الآية للمرة الثانية {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} هذا القول حث للنساء ونهى للمؤمنات عن كشف الزينة الخفية من أجسادهن، كزينة الأذن والشعر والعنق والصدر والساق أمام الأجنبى من الرجال، حيث رخص الله لها فى إبداء الوجه والكفين فقط، كما فى افتتاح الآية (إلا ما ظهر منها) .
وقد استثنت الآية من حظر إبداء الخفية اثنى عشر صنفا من الناس هم: ١ - بعولتهن أى أزواجهن، فللزوج أن يرى من زوجته ما يشاء وكذلك المرأة.
وفى الحديث (أخرجه الامام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقى - البيان والتعريف بأسباب وردود الحديث ج - ١ ص ٩٩) (احفظ عورتك إلا من زوجتك) .
٢ - آباؤهن ويدخل فيهم الأجداد لأب أو لأم، والأعمام والأخوال، إذ الصنفان الخيران بمنزلة الآباء عرفا وفى الحديث (رواه مسلم) (عم الرجل صنو أبيه) .
٣ - آباء أزواجهن فقد صار لهم حكم الآباء بالنسبة لهن، حيث وقع التحريم بقوله تعالى {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} النساء ٢٣.
٤ - أبناؤهن ومثلهم فروع هؤلاء الأبناء وذريتهم ذكروا وإناثا.
٥ - أبناء أزواجهن لضرورة الاختلاط الحاصل فى العشرة والمنزل ولأنها صارت بمثابة الأم فهى محرمة على هؤلاء الأبناء بقوله تعالى {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} النساء ٢٢.
٦ - إخوانهن سواء أكانوا أشقاء أو من الأب أو من الأم.
٧ - بنو إخوانهن للتحريم الواقع مؤبدا بين الرجل وعمته.
٨ - بنو أخواتهن لأن حرمة الخالة على الرجل أبدية أيضا بنص آية التحريم فى القرآن.
٩ - نساؤهن أى النساء المتصلات بهن نسبا أو دينات، أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المرأة المسلمية ما خفى، بل يجوز أن ترى ما أبيح للرجل الأجنبى رؤيته على أصح الأقوال.
١٠ - ما ملكت أيمانهن أى عبيدهن وجواريهن، لأن الإسلام ضم هؤلاء إلى الأسرة فصاروا كأعضائها ن وقد خص بعض الأئمة هذا بالإناث دون الذكور من المملوكين (تفسير القرطبى ج - ١٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٣٧ وفيه تفصيل) .
١١ - التابعون غير أولى الإربة من الرجال وهم الأتباع والأجراء الذين لا شهوة لهم فى النساء لسبب بدنى أو عقلى، فلابد من توافر هذين الوصفين، التبعية للبيت الذى يدخلون على نسائه، وفقدان الشهوة الجنسية، وكما قال القرطبى من لا فهم له ولا همة بنتبه بها إلى النساء.
١٢ - الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء وهم الصغار الذين لم تثر فى أنفسهم الشهوة الجنسية، فإذا ما لوحظ ظهورها عليهم حرم على المرأة إبداء زينتها الخفية أمامهم وإن كانوا دون البلوغ.
لما كان ذلك كان كل ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة يجب سترها ويحرم كشفها.
وكانت عورتها بالنسبة للرجال الأجانب عنها وغير المسلمات من النساء على الأصح جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكانت عورتها بالنسبة للأصناف الاثنى عشر المذكورين فى آية سورة النور (الآية ٣١) تتحدد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التى أبيح إبداؤها لهؤلاء الأصناف، أما ما وراء ذلك مثل الظهر والبطن والفخذين وما بينهما وما وراءهما فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج.
كما يدل على هذا حديث (سبق تخريجه وانظر البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث الشريف ابن حمزة الدمشقى ج - ١ ص ٩٩) بهز بن حكيم عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل إذا كان القوم بعضهم فى بعض قال إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها.
قيل إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس.
هذا وقد قال القرطبى (ج - ١٢ ص ٢٣٢) لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوى المحارم وسوى بينهم فى إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما فى نفوس البشر، فلا مرية ان كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لابن الزوج.
وفى موضع آخر (المرجع السابق ص ٢٣٧) قال والله تعالى قد حرم المراة على الإطلاق لنظر أو لذة، ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين، ثم استثنى الزينة لاثنى عشر شخصا، العبد منهم، وقدط تأول بعضهم الآية فى شأن الأصناف الأخيرة فقال إن التقدير أو ما ملكت أيمانهن من غير أولى الإربة أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال.
وإذ كان ذلك وكان زوج الخت لم يرد ذمن هذه الأصناف الاثنى عشر - كان أجنبيا من أخت زوجته، لا يحل له كما لا يحل لها أن تبدى أمامه إلا الزينة الظاهرة التى هى الوجه والكفان.
ويبين هذا ويؤكده أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من خلوة المرأة بأحمائها فقال (إياكم والدخول على النساء فقال رجل ومن الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو - الموت) (متفق عليه) قال النووى (فتح البارى بشرح البخارى ج - ٩ ص ٢٧١ و ٢٧٢ فى باب النكاح) الحمو أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم وإنما المراد غير المحارم كابن العم، لأنه يحل لها تزوجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه، ليخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبى.
فهذا الحديث الشريف يحذر - سدا للذرائع - من الدخول على النساء والخلوة بهن، إلا فى الحدود التى أباحها الله سبحانه وبينها فى القرآن الكريم (من الآيات ٢٢ و ٢٣ من سورة النساء) وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه، وبين دخول الرجل على أخت زوجته، فهو أجنبى عنها فى كلا الحالين، والمحرم على زوج الأخت هو الجمع بين المرأة وأختها قال تعالى {وأن تجمعوا بين الأختين} النساء ٢٣، فالتحريم للجمع لا لأصل الزواج، بدليل أنها تحل له إذا ما فارق زوجته بموت أو طلاق.
هذا ولا قياس فى الحل والتحريم، لأن الحكم فيه من الله لا سيما بعد أن دلت الآية الكريمة فى سورة النور وآيات المحرمات فى سورة النساء على أن الرجل أجنبى من أخت زوجته، بمعنى أنه غير محرم لها، وأن التحريم إنما فى الجمع بينها وبين أختها (زوجته) .
واتقاء الشبهات لون من التربية الإسلامية التى جاءنا بها رسول الإسلام، حيث قرر هذا المبدأ فى قوله عليه الصلاة والسلام (رواه الشيخان عن النعمان بن بشير، وهذا اللفظ من رواية الترمذى) الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور متشابهات لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هى أم من الحرام فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سمل، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أن من يرعى حول الحمى (الحمى مكان محدود يحجزه السطان لترعى فيه ماشيته وحدها ويمنع غيرها من دخوله) ، أوشك أن يواقعه إلا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه.
وبهذا البيان المستمد من نصوص القرآن والسنة، لا يحل للرجل أن يطلع من أخت زوجته على أكثر من الوجه والكفين، كما يحرم عليها تمكينه مما وراء هذا من جسدها كما ترحم عليهما الخلوة، ولا قياس فى هذا الموضع، إذ لا قياس ثمت فى الحلال والحرام.
والله سبحانه وتعالى أعلم