[تلقين الميت]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
بعد دفن الميت يجلس أحد الفقهاء ويلقنه كلاما ليجيب به الملكين فهل هذه سنة أم عادة عن الأجداد، وما حكم الشرع فيه؟
الجواب
رأى بعض العلماء أن يلقن الميت المكلف بعد دفنه، فقد روى عن بعض التابعين، منهم راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عميرة أنهم قالوا: إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه "ثلاث مرات " يا فلان قل: ربى اللَّه، ودينى الإسلام، ونبيى محمد، ثم ينصرف.
وعندهم فى هذا حديث أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقف أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة الثانية، فيستوى قاعدا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما - فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون اللَّه تعالى حجته دونهما. فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ فال "فلينسبه إلى حواء" رواه ابن شاهين فى كتاب الموت بإسناده. وهذا الإسناد صالح وقواه بعضهم. وقال النووى: هذا الحديث وإن كان ضعيفا فليستأنس به. وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة فى أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد، كحديث "واسألوا له التثبيت " ورواية عمرو بن العاص، وهما صحيحان. ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا فى زمن يقتدى به وإلى الآن، وذهبت المالكية فى المشهور عنهم وبعض الحنابلة إلى أن التلقين مكروه، جاء فى المغنى لابن قدامة (ج ٢ ص ٣٧٧) : ليس فيه لأحمد ولا للأئمة شيء، سوى ما رواه الأثرم، قال: -قلت لأبى عبد اللَّه: فهذا الذى يصنعون إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول ... فقال: ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة، جاء إنسان فقال ذاك، قال: وكان أبو المغيرة يروى فيه عن أبى بكر بن أبى مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه، وكان ابن عباس يرويه، ثم قال فيه: إنما لأثبت عذاب القبر.
قال القاضى وأبو الخطاب: يستحب ذلك، ورويا فيه حديث أبى أمامة المذكور.
جاء فى "مشارق الأنوار" للعدوى ص ١٠ أن التلقين مشروع عند الشافعية، وارتضاه صاحب المدخل وجزم به القرطبى وكذلك عند أبى حنيفة وغير واحد من المالكية كما قال صاحب المدخل، وذلك لحديث سعيد بن عبد الله الأسدى الذى قال: شهدت أبا أمامة الباهلى فى النزع فقال: إذا مت فاصنعوا بى كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم (وذكر الحديث المتقدم) قال العدوى: ومشهور مذهب مالك يرى ضعف الحديث وأن شرط العمل به ألا يشتد ضعفه وأن يندرج تحت أصل كلى، قال الشيخ عبد الباقى:
ولم يوجد فى هذا الحديث اندراج تحت أصل كلى، فلا يعمل به وإن كان فى المقاصد تقويته.اهـ. قال العلامة الأمير فى حاشيته عليه: وأورد أن هذا مندرج فى نفع المؤمن أخاه {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} اهـ. فيكون هذا مقويا لما درج عليه صاحب المدخل وجزم به القرطبى فيكون الاعتماد عليه. لا سيما والحديث قواه الحافظ السخاوى فى "المقاصد" ولكل وجهة رضى الله عن الجميع. انتهى كلام العدوى.
ويقول السيد/ عبد الله بن محمد الصديق الحسنى: إن التلقين جرى عليه العمل قديما فى الشام زمن أحمد بن حنبل وقبله بكثير، وفى قرطبة ونواحيها حوالى المائة الخامسة فما بعدها إلى نكبة الأندلس، وذكر بعض العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة الذين أجازوه، وذكر أن حديث أبى أمامة ضعيف، لكن الحافظ ابن حجر قال فى "التلخيص " إسناده صحيح، ورأى الصديق الحسنى صلاح إسناده لأن له طرقا وشواهد "مجلة الإسلام -مجلد ٣ عدد ١٠ ".
وفى المجلد الرابع من الفتاوى الإسلامية ص ١٣٩١ أن الشيخ قراعة أفتى سنة ١٩٢٢ م بأن التلقين فيه خلاف واختار عدم المنع، أخذا مما روى عن القاضى الكرمانى حينما سئل عنه فقال: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللَّه حسن، وإنما لا ينهى عن التلقين بعد الدفن لأنه لا ضرر فيه، بل فيه نفع، فإن الميت يستأنس بالذكر على ما ورد فى الآثار، انتهى ملخصا من حاشية مراقى الفلاح ورد المحتار.
وفى المجلد نفسه ص ١٢٥٦ أن الشيخ عبد المجيد سليم أفتى سنة ١٩٣٦ م بأنه مستحب عند الشافعية والحنابلة ومكروه عند الإمام مالك رضى اللَّه عنه ووافق على ما جنح إليه الشيخ قراعة. ونقل كلام النووى فى الجزء الخامس من كتابه المجموع "ص ٣٠٣ " من استحبابه والكلام الذى يقال فيه وأن التلقين يكون للمكلف وليس للصبى ونقل رأى الإمام مالك بالكراهة، من شرح الرسالة لأبى الحسن. وأنه لم يجد فى كتب الحنفية ولا فى غيرها اشتراط شيء فيمن يلقن الميت بعد الدفن، ورأى أنه ينبغى أن يكون ممن يحسن التلقين. انتهى.
وبعد هذا العرض أرى أن هذا العمل لا يضر الأحياء ولا الأموات، بل ينتفع به الأحياء تذكرة وعبرة، فلا مانع منه.
هذا، وتلقين الشهادة للمحتضر مشروع ندبا أو وجوبا، لحديث الجماعة إلا البخارى "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " ويزاد عليه "وأن محمدا رسول اللَّه " ومع مشروعيته أجمع العلماء على كراهة الإكثار منه لئلا يتألم المحتضر وربما يرفض "نيل الأوطار ج ٤ ص ٢٢ "