[انفراد المأموم عن الصف]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم المأموم الذى يصلى منفردا خلف الصفوف؟
الجواب
١ - عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " رواه البخارى ومسلم، وفى رواية للبخارى عن أبى هريرة " فإن إقامة الصف من حسن الصلاة ".
٢ - وعن أنس رضى الله عنه قال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول " تراصوا واعتدلوا " رواه البخارى ومسلم.
٣- وعن أبى أمامة رضى الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " سووا صفوفكم، وحافوا بين مناكبكم، ولينوا فى أيدى إخوانكم، وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيها بينكم بمنزلة الحذف " يعنى أولاد الضأن الصغار. رواه أحمد.
٤ - وعن جابر بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها " فقلنا يا رسول اللَّه كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال " يتمون الصف الأول، يتراصون فى الصف " رواه الجماعة إلا البخارى والترمذى.
التسوية والاعتدال والإقامة والاستقامة معناها: اتخاذ سمت واحد وعدم الاعوجاج، والتراص عدم وجود فرج، وقد يراد به التسوية.
تدل هذه الأحاديث على ندب التسوية فى الصفوف وسد الفرج وإتمام الصف الأول، وجاءت أحاديث صحيحة بفضل الصلاة فى الصف الأول، وأنه خير من الصف الذى يليه.
وبهذا يعلم أن المصلى لو دخل فوجد الجماعة مقامة وأن الصف الأول غير تام أو فيه فرجة فانفراده بصف مكروه، ولا خلاف فى ذلك، لكن هل مع الكراهة تصح صلاته أو تبطل وعليه إعادتها؟ الجواب عن ذلك يترتب على بيان الحكم فيمن لم يجد فرصة فى الصف الأول فصلى وحده، وقد وردت فى ذلك أحاديث منها:
١ - عن على بن شيبان أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له " استقبل صلاتك، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف " رواه أحمد وابن ماجه، وقال أحمد: انه حديث حسن.
٢ - عن وابصة بن معبد أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد صلاته. أخرجه الخمسة إلا النسائى، ورواه الدارقطنى وابن حبان وحسنه الترمذى.
٣ - عن أبى بكرة أنه انتهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " زادك اللَّه حرصا ولا تعد "، أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والنسائى وابن حبان.
إزاء هذه الأحاديث اختلف السلف فيمن لم يجد فرجه ولا سعة فى الصف الأول فصلى وحده.
أ - فقالت طائفة: لا يجوز ولا تصح صلاته. وممن قال به النخعى وأحمد وإسحاق، وحجتهم الحديثان الأولان، وعلى قولهم هذا يكون الحكم من باب أولى على من تمكن من الدخول فى الصف الأول ولم يدخل بل صلى وحده.
ب - وقالت طائفة أخرى: تجوز صلاته ولا إعادة عليه، ومنهم الحسن البصرى والأوزاعى ومالك والشافعى وأصحاب الرأى، وحجتهم فى ذلك الحديث الثالث، حيث لم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكرة بالإعادة، ومثل هذا الحكم فيمن صلى وحده مع وجود فرجة فى الصف الأول.
ورد هؤلاء على حجة الأولين بأن الأمر بالإعادة فى حديث وابصة هو للندب، للمبالغة فى المحافظة على الأولى والأحسن. ومن متمسكاتهم ما روى أن الشافعى كان يضعف حديث وابصة ويقول: لو ثبت لقلت به، ولكن البيهقى-وهو من الشافعية- قال: إن الخبر المذكور ثابت وهناك اتجاه للجمع بين الأخبار، وهو: أن الأمر بالإعادة يحمل على من انفرد عن الصف لغير عذر، والأمر على سبيل الوجوب عند أحمد والندب عند غيره، ويحمل عدم الأمر بالإعانة على من انفرد عن الصف لعذر، مع خشية الفوات لو انضم إلى الصف. وفسّر الشراح قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكرة " ولا تعد " بمعنى لا تعد إلى التأخر عن الصلاة، أو لا تعد إلى الإتيان إلى الصلاة مسرعا، وذلك مبنى على الخلاف فى التاء من " تعد" هل هى مفتوحة أو مضمومة.
وعلى هذا من لم يجد فرجة ولا سعة فى الصف فما الذى يفعله؟ قيل: يقف منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا، لأنه لو جذبه إليه لفؤت عليه فضيلة الصف الأول، ولأوقع الخلل فى الصف. وبهذا قال الطبرى، وحكاه عن مالك. وقال أكثر أصحاب الشافعى: يجذب إلى نفسه واحدا، ويستحب للمجذوب أن يساعده، وروى عن عطاء والنخعى أن الداخل إلى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز أن يجذب إلى نفسه واحدا ليقوم معه، واستقبح ذلك أحمد وإسحاق، وكرهه الأوزاعى ومالك. وقال بعضهم: جذب الرجل فى الصف ظلم.
واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى من حديث وابصة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف " أيها المصلى، هلا دخلت فى الصف أو جررت رجلا من الصف، أعد صلاتك " وهو ضعيف ورواه أبو داود مرسلا، وما رواه الطبرانى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما فى جذب رجل إليه إسناده واه.
" انظر نيل الأوطار للشوكانى ج ٣ ص ٢٢٦ "