للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القرض الحسن والقرض بفائدة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما الفرق بين القرض الحسن، والقرض من البنك لقاء زيادة، وذلك للحاجة إليه، للاستهلاك أو للإنتاج؟

الجواب

القرض هو إعطاء المال على سبيل استرداده بعد فترة معينة، والمال قد يكون نقدا وقد يكون عينا كالبر والشعير، وقد يكون حيوانا، وذلك عند جمهور الفقهاء، ومنع الحنفية قرض الحيوان.

والقرض الحسن هو الذى لا تشترط فيه زيادة عند رده، وثوابه عظيم عند الله سبحانه، لأنه من باب التيسير على المعسر، والتعاون على الخير، وقيل إن ثوابه أفضل من ثواب الصدقة، لأن القرض يكون من حاجة، بخلاف الصدقة، وروى فى ذلك حديث مقبول "الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر".

وكان القرض فى الجاهلية مشروطا بزيادة فى نظير تأجيل الدين، وتتكرر الزيادة بتكرار الأجل، ويطلق عليه لفظ "الربا".

ومن صوره كما قال ابن حجر: أن يدفع الواحد ماله إلى غيره إلى أجل مسمى، على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا، ورأس المال باق بحاله، فإذا حل طلبه، فإن تعذر الأداء زاد فى الحق والأجل.

والقرض من البنك بفائدة حرام، بناء على القول المأثور الذى تدعمه النصوص الصحيحة "كل قرض جر نفعا فهو ربا".

وقد يقال: إن الفائدة على القرض هى لتغطية نفقات البنك والعاملين فيه، وتقاس على نفقة القرض المنقول إلى مكان غير مكان التعاقد عليه، فعن مالك أنه بلغه أن عمر رضى الله عنه سئل فى رجل أسلف طعاما على أن يعطيه إياه فى بلد آخر، فكره عمر وقال: أين كراء الجمل؟ فالمقرض طلب من المقترض نفقة نقل القرض إلى البلد الآخر، ولكن عمر كره أن يتحملها المقترض، لأنه مقتضى العقد، والكراهة بمعنى التحريم.

وجاء فى فقه الشافعية أن من اقترض من إنسان شيئا وجب عليه أن يرده إلى المقرض فى محل الإقراض إذا كان القرض يحتاج نقله إلى نفقة فإذا لم يتحمل المقترض تلك النفقة لا يجبر المقرض على القبول، وإنما يجبر المقترض على دفعها أو تسليم القرض فى محل الإقراض. وورد مثله عن المالكية والأحناف. "الأعمال المصرفية والإسلام " ص ٨٣، ٨٤.

وجاء أيضا جواز احتساب الأجر على العمل عامة، كأجر السمسرة وأجر كتابة الوثائق والسجلات والخطابات.

والبنوك الحالية تحتاج فى نشاطها إلى تغطية نفقات العاملين بها، فلتكن من الفائدة التى تفرض على القرض.

لكن رد ذلك بأن الفائدة لو كانت فى مقابل النفقات لكانت موحدة فى كل البنوك. لكنها تختلف باختلاف مركز المقترض والضمان المتقدم ومدة القرض، كما أنها تتكرر كل عام طيلة مدة القرض، مع أنها لو أريد إلحاقها بالنفقة فلا بد من أخذها من أول العام فقط، وعلى ذلك فقياس الفائدة على أجرة السمسار ونفقة القرض غير جائز.

وقد يقال أيضا: إن الفائده على القرض جزء من ربح مضاربة لأن القرض الذى يقدمه البنك إما استهلاكى وإما إنتاجى، والإنتاجى يستثمر عن طريق المضاربة، التى يكون فيها المال من جهة البنك والعمل من جهة المقترض، على أن يقسم الربح بينهما بنسبة معلومة شائعة.

ورد عليه بأن المضاربة لا يجوز فيها اشتراط ضمان المال على المضارب عند الخسارة ولا يجوز تحديد الربح كخمسة أو عشرة لأحد المتعاقدين، ونشاط القرض من البنك يتحمله المقترض وحده، والربح محدد وليس نسبيا.

وقد نازع بعض فقهاء العصر فى ذلك فأجازوا تحديد الربح، لأنه لا يشبه الربا المخرب للبيوت، والتراضى على ذلك موجود بين الطرفين، ولا دليل على جعل الربح بالنسبة، والفائدة المحرمة ما كانت مضاعفة ومركبة.

ورد ذلك بنفى عدم الدليل على المضاربة بشروطها المعروفة، فالإجماع منعقد عليها وأن تحديد نسبة الربح مأخوذ عن على رضى الله عنه، وأجمع فقهاء السلف عليه دون مخالف لهم فإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أن يكون الربح مشاعا لا محددا أمر مجمع عليه توارثه الخلف عن السلف.

هذا. وقد قيل: إنه يشك فى صدور هذه الآراء المحللة للفائدة على القرض إلى أصحابها، وأن بعضهم رجع عنها، "يراجع فى توضيح ذلك الكتاب المذكور"

<<  <  ج: ص:  >  >>