للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طلاق المكره]

المفتي

أحمد هريدى.

٢٤ فبراير سنة ١٩٦٨م

المبادئ

١ - طلاق المكره غير واقع شرعا وقانونا.

٢ - الأكراه فى حقيقته الشرعية لابد أن يكون بأمر يلجىء المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه واتيانه لخوفه من ايقاع ما هدد به وعدم احتماله اياه - وأن يكون المكره قادرا على ايقاع وتنفيذ ما هدد به.

٣ - إذا أكره الزوج زوجته وهددها بالطلاق ان لم تبرئه من دين لها عليه لا يكون اكراها واذا أكرهها بضرب متلف ان لم تبرئه كان اكراها.

٤ - الأكراه إذا كان بشىء جائز شرعا ومن حق المكره ان يفعله لا يعتبر اكراها وان كان بشىء غير جائز شرعا وليس من حق المكره ان يفعله كان أكراها

السؤال

من السيد / م.

أ. بالطلب والبيان الملحق به المقيد برقم ٦٩ لسنة ١٩٦٨ المتضمن ان زوجته رفعت عليه دعوى تطليق تحت تأثير أهلها الذين كثيرا ما يعتدون عليه حتى أصيب فى أحدى هذه الاعتداءات بجروح مختلفة تحرر عنها محضر بوليس بتاريخ ٢٧/٩/١٩٦٧ وأنه ذهب إلى منزل أهل زوجته بتاريخ ٣٠/٩/١٩٦٧ لرؤية ابنه وشراء ما يلزمه.

ولم تكن زوجته موجودة بالمنزل فى هذا الوقت وفوجىء فى نفس اليوم باتهام أمها له بخطف الطفل وسرقة مبلغ مائتى جنيه من دولابها وأبلغت الشرطة وقبضت النيابة عليه.

ثم تجمع عليه بعد ذلك أهل زوجته وهددوه باختيار أحد الطريقين.

السير فى اجراءات النيابة.

أو تطليق زوجته. وتحت تأثير هذا الاكراه طلق زوجته نظير الابراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة وسجل بدفتر المأذون بتاريخ ٢/١٠/١٩٦٧، وفى البيان الملحق يقرر السائل أنه لم يتلفظ بلفظ الطلاق وأنه وقع على الوثيقة على بياض.

وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى الطلاق الذى صدر منه تحت تأثير الاكراه والحكم الشرعى فى الطلاق الذى لم تصدر منه صيغته

الجواب

لا جدال فى أن الطلاق المكره لا يقع طبقا لحكم المادة الأولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ التى تنص على أنه (لا يقع طلاق السكران والمكره) والافتاء بحكم الدين والشريعة فى حادثة من الحوادث يجرى على أساس صحة الوقائع التى تضمنتها الحادثة ومطابقتها للواقع أو على أساس التسليم بتلك الوقائع دون نظر إلى الواقع.

وفى هذه الحالة يجب أن تسلم الحادثة من شوائب الشك والغموض لترتاح نفس المفتى إلى أن المقصود هو معرفة حكم الله فى الحادثة موضوع السؤال.

والسائل يقرر أنه أكره على طلاق زوجته تحت تأثير التهديد بالسير فى الشكوى المقدمة ضده والتى أتهم فيها بخطف ابنه من مطلقته وسرقة مبلغ مائتى جنيه من دولاب والدته وأنه تعرض للقبض عليه وخاف من نتائج وآثار السير فى التحقيق فأوقع الطلاق مكرها.

وقال أن الطلاق كان نظير الابراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة ودون ذلك بالوثيقة الرسمية وقرر فى المناقشة ان المفاوضة تناولت موضوع حضانة ابنه من المطلقة واجور الحضانة والمسكن.

وطلب بيان الحكم الشرعى فى الطلاق الذى صدر منه تحت تأثير الاكراه.

ثم الحق استفتاءه بطلب آخر يقول فيه أنه فى حادثة السؤال المشار اليها لم يصدر منه مطلقا لفظ (أنت طالق) كما ذكر المأذون فى وثيقة الطلاق.

وانه وقع على الوثيقة فى دفتر المأذون على بياض.

وطلب بيان الحكم الشرعى فى هذا الطلاق الذى لم تصدر منه صيغته ولم يتلفظ بها مطلقا.

والأمر على هذا النحو فيه كثير من الغموض الذى يبعث على عدم الارتياح.

فالسائل يقرر أولا أن الطلاق قد تم ولكنه تحت تأثير الاكراه والطلاق كما هو ظاهر كان نظير الابراء وبعد مفاوضات تناولت فيما تناولت موضوع حضانة الابن وأجور الحضانة والمسكن أى أنه أخذ وأعطى.

ويبعد عادة أن يكون ذلك تحت تأثير وفى ظروف أكراه والجاء.

ثم يقرر السائل ثانيا. أنه لم يتلفظ بصيغة الطلاق ووقع على الوثيقة على بياض.

ووثيقة الطلاق ورقة رسمية وتعتبر حجة على السائل فيما دون بها خاصا بالطلاق.

وليس من شأن المفتى أن يحقق الوقائع ويطلب الدليل على صحتها.

وانما ذلك من شأن القضاء. ولكن من حق المفتى أن يطمئن ويرتاح إلى سلامة الحادثة التى يتحدث عن حكم الله فيها.

ولذلك نكتفى ببيان حكم طلاق المكره فى ذاته بقطع النظر عن الحادثة المعروضة وهى تحقق فيها اكراه أو لا.

وقد ذكرنا ان حكم القانون صريح فى أن طلاق المكره لا يقع.

على أن الاكراه فى حقيقته الشرعية لابد أن يكون بأمر يلجىء المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه واتيانه لخوفه من ايقاع ما هدد به وعدم احتماله اياه سواء كان ذلك فى النفس أو فى المال أو فى غير ذلك مما يوقع به ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمله على خلاف بين الفقهاء فى بعض الصور وليس هنا مجال تفصيله - ولابد أن يكون المكره قادرا على ايقاع تنفيذ ما هدد به.

وقد قرر فقهاء الحنفية أن الزوج إذا أكره زوجته وهددها بالطلاق ان لم تبرئه من دين لها عليه لا يكون اكراها.

واذا أكرهها بضرب متلف أن لم تبرئه من دين لها عليه كان أكراها.

جاء فى الجزء الثالث من الفتاوى الخانية للامام قاضى خان (واذا أكره الرجل أمرأته بضرب متلف لتصالح من الصداق أو تبرئه كان اكراها لا يصح صلحها ولا ابراؤها.

وأن أكره الزوج أمرأته وهددها بالطلاق أو بالتزوج عليها أو بالتسرى لا يكون أكراها) .

وهذا ظاهر فى أنهم فرقوا فى الحكم بين واقعتى اكراه صدرتا من الزوج لزوجته الأولى هددها فيها بضرب متلف وقد أعتبروها أكراها والثانية هددها فيها بطلاقها أو التزوج عليها أو التسرى ولم يعتبروها أكراها ولم يذكروا العلة فى هذا الفرق.

وليس هناك من فرق يظهر إلا أن الاكراه فى الأولى كان بشىء غير جائز شرعا وليس من حق الزوج وهو الضرب المتلف.

والثانية كان الاكراه بشىء جائز شرعا للزوج ومن حقه أن يفعله وهو الطلاق أو التزوج على الزوجة.

فالاكراه اذن إذا كان بشىء جائز شرعا ومن حق المكره أن يفعله لا يعتبر أكراها.

وفى حادثة السؤال يقول السائل أنه قد أكره على طلاق زوجته تحت تأثير التهديد بالسير فى أجراءات الشكوى المقدمة ضده والتى أتهم فيها بخطف ابنه من هذه المطلقة وسرقة مبلغ مائتى جنيه من دولاب والدته.

ولا شك ان من حق أى انسان اعتدى عليه بالسرقة أو بغيرها أن يشكو المعتدى وأن يسير فى أجراءات شكواه فهو اذن تهديد بأمر جائز للمهدد والمكره ومن حقه فلا يكون أكراها واذا فعل المكره ما هدد به وهو هنا طلاق زوجته يكون الطلاق واقعا وصحيحا لانعدام الاكراه شرعا.

فالحادثة بالتطبيق لهذا الحكم لا اكراه فيها شرعا.

ومما ذكر يعلم الجواب والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>