للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث: الحياء والإيمان]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

فى الحديث الشريف " الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" فإذا كان الحياء غريزة من الغرائز فكيف يكون شعبة من شعب الإيمان؟

الجواب

الغرائز ليست شعبة من الإِيمان، وإنما هى قوى تدعو للإِيمان والكفر والطاعة والعصيان، والدين جاء ليهذبها ويوجهها إلى الدعوة إلى الإِيمان والطاعة. ثم من قال: إن الحياء كله غريزة؟ فمن الحياء خلق مكتسب أساسه البعد عما يضر النفس والغير، وهذا البعد فيه جهاد للنفس بغرائزها التى تريد لها كل ما تريد، بصرف النظر عن كونه حلالا أو حراما.

فالقناعة بالحلال وعدم التطلع إلى الحرام من صفات الأخيار الأبرار، التى جاءت بها الأديان، وساعد عليها الإيمان بالحساب أمام الله على ما قدمت يد الإِنسان.

جاء فى شرح النووى لصحيح مسلم "ج ٢ ص ٥ " بعد ذكر روايات الحديث التى منها: الحياء من الإِيمان، الحياء لا يأتى إلا بخير، الحياء خير كله - أن القشيرى نقل عن الجنيد أنه قال: الحياء رؤيا الآلاء -النعم- ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء. وقال القاضى عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإِيمان -وإن كان غريزة- لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإِيمان بهذا وبكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصى. وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتى إلا بخير فقد يشكل على بعض الناس، من حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق من يُجِلُّه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإِخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف فى العادة -وجواب هذا- أن هذا المانع ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة، وتسميته حياء من إطلاق أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقى، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير فى حق ذى الحق ونحو هذا.

هذا وقد روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" والمعنى إذا لم يخف الإِنسان من الله ولا من الناس صار كالبهائم يصنع ما يشاء، وليس هذا إغراء، ولكنه بيان للواقع المذموم

<<  <  ج: ص:  >  >>