نريد تفسير قوله تعالى {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} التوبة: ١٧؟
الجواب
يقول القرطبى فى تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: أن العرب جيل من الناس، والنسبة إليهم عربى، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة، وجاء فى الشعر الفصيح " أعاريب " والنسبة إلى الأعراب أعرابى، لأنه لا واحد له، وليس الأعراب جمعا للعرب، كما كان الأنباط جمعا لنبط، وإنما العرب اسم جنس، والعرب العاربة هم الخُلَّص منهم، والمستعربة هم الذين ليسوا بخُلَّص، وكذلك المتعربة. والأعرابى إذا قيل له:
يا عربى فرح، والعربى إذا قيل له يا أعرابى غضب. والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب. وسميت العرب عربا لأن ولد إسماعيل نشأ من عربة وهى من تهامة فنسبوا إليها، وأقامت قريش بعربة، وهى مكة، وانتشر سائر العرب فى جزيرتها.
وقد وصفت الآية الأعراب بأن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر العرب ونفاقهم، لأنهم أبعد عن معرفة السنن، ولأنهم أقسى قلبا وأجفى قولا وأغلظ طبعا.
ورتب القرطبى على ذلك أحكاما منها: أن شهادة أهل البادية على أهل الحضر تسقط ولا تقبل، وأجازها أبو حنيفة، كما أجازها الشافعى إذا كان الأعرابى عدلا مرضيا، وهو الصحيح، ومنها أن إمامة البدوى لأهل الحضر ممنوعة، يعنى لا يصح أن يكون البدوى إماما فى الصلاة للمأمومين من أهل الحضر، لجهله بالسنة، وقال مالك: لا يؤم وإن كان أقرأهم، وقال سفيان الثورى والشافعى وإسحاق وأصحاب الرأى - الحنفية - الصلاة خلف الأعرابى جائزة، واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة.
يعرف من هذا أن البيئة لها أثر على الإنسان فى عقله وفى سلوكه، وأن الجامدين على بيئة واحدة يتأخر تطورهم وتغيُّر أحوالهم، وأن الاختلاط بالبيئات الأخرى يؤثر على الفكر والسلوك ويساعد على التطور، وكلما كان التطور نحو الأفضل وهو هدى الله لعباده كان ممدوحا