[التبرك بآثار الصالحين]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل التبرك بآثار الصالحين من الأولياء وغيرهم يتنافى مع الدين؟
الجواب
من المعروف أن الإنسان إذا أحب إنسانا آخر أحب كل شىء يتصل به، وتلك الحقيقة المركوزة فى فطرة الإنسان لا يعارضها الدين، وإنما يرشدها إلى الخير. وذلك فى أمرين أساسيين، هما اختيار من يستحق الحب، وعدم تجاوز الحدود الشرعية فى مظاهر هذا الحب وآثاره فنحن -كمسلمين -مأمورون بحمب الله وحب رسوله، والنصوص فى ذلك كثيرة، ومن لوازم حبهما طاعتهما وعدم عصيانهما {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} آل عمران: ٣١.
وطاعة الله ورسوله محدودة بقواعد تصحح الفكر وتقوِّم السلوك، وهى فى نطاق الميسور لا المعسور، والتوسط والاعتدال، والإخلاص والصدق. والأولياء الصالحون أكرمهم الله بتوفيقهم إلى الطاعة وبإحسان مجازاتهم كما قال سبحانه {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ٠ الذين آمنوا وكانوا يتقون ٠ لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} يونس: ٦٢ - ٦٤ وبخصوص حب الصالحين والتبرك بآثارهم، يجب عدم التغالى فى هذا الحب حتى لا يرفع المحبوب فوق درجته، فقد أجب قوم أنبياءهم فأنزلوهم منزلة الله أو قريبا من ذلك، وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من الإفراط فى حبه فقال " لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله " رواه البخارى.
وقد أذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يتبركوا بآثاره، ومن الأخبار فى ذلك:
١ - فى صلح الحديبية يقول أصحاب السير فى التفاف الصحابة حول الرسول صلى الله عليه وسلم: والله ما تنخَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه -بفتح الواو وهو فضلة الماء الذى توضأ به لا الزرقانى على المواهب ج ٢ ص ١٩٢ لما.
٢ -جاءت عدة روايات فى أن بعض الصحابة شرب دم الحجامة من النبى صلى الله عليه وسلم، وبعضهم شرب بوله. جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى "ج ١ ص ٢٨٥" قوله: وفى هذه الأحاديث دلالة على طهارة بوله ودمه صلى الله عليه وسلم، قال النووى فى شرح المهذب: واستدل من قال بطهارتهما بالحديثين المعروفين أن أبا طَيْبَةَ الحجام حجمه صلى الله عليه وسلم وشرب دمه ولم ينكر عليه، وأن امرأة شربت بوله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليها، وحديث أبى طيبة ضعيف، وحديث شرب البول صحيح رواه الدارقطنى وقال:
هو حديث صحيح، وقيل إنه ضيف كما فى الزرقانى شارح المواهب "ج ٤ ص ٢٢٣ ".
٣ - روى البخارى أن الناس جعلوا يأخذون يدى الرسول - وهو فى بطحاء مكة - فيمسحون بها وجوههم، وقال الراوى أبو جحيفة:
فأخذت بيده فوضعتها على وجهى فإذا هى أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك. وفى رواية أحمد أن الناس تزاحموا على الرسول بعد صلاة الصبح فى حجة الوداع، وأن أبا يزيد بن الأسود استطاع بشبابه وقوته أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويأخذ بيده ليضعها على وجهه وصدره فما وجد أطيب ولا أبرد منها لا نيل الأوطارج ٢ ص ٣٢٣، ٤ ٣٢" يقول الشوكانى: فيه مشروعية التبرك بملامسة أهل الفضل لتقرير النبى صلى الله عليه وسلم لذلك.
٤ -أثر عن الإمام أحمد أنه كان يحتفظ بشعرات من شعر النبى صلى الله عليه وسلم فى كُمِّ قميصه، وببركتها لم يحرق المعتصم هذا القميص فى فتنة القول بخلق القرآن، وأن الإمام الشافعى تبرك بغسالة قميص أحمد لما ثبته الله على الحق " حياة الحيوان الكبرى للدميرى ج ١ ص ١٠٠، ١٠١ " والأخبار كثيرة فى تبرك الصحابة بالصلاة فى مصلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبوضع أيديهم على الموضع الذى كان يضع عليه يده من المنبر الشريف، إلى غير ذلك من الأخبار، وقد قال النووى فى حديث تحنيك النبى صلى الله عليه وسلم للمولود بمضغ تمرة ومجها فى فمه "شرح صحيح مسلم ج ٤ ١ ص ١٢٢ ": اتفق العلماء على استحباب التحنيك بالتمر وما فى معناه من كل حلو، وأن يكون المحنك من الصالحين وممن يتبرك به رجلا كان أو امرأة.
إن التبرك بآثار الصالحين دليل على الحب، ولا مانع منه ما دام فى الحد المعقول، ولا ننسى فى هذا المقام قول المجنون:
أمر على الديار ديار ليلى * أقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبى * ولكن حب من سكن الديارا