[تنزلات القرآن]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كيف ينزل القرآن فى رمضان وفى ليلة القدر، مع أنه نزل على فترات طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
للعلماء فى كيفية نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ أقوال:
١ -أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم بعد بعثته فى مكة والمدينة، وقال الكثيرون إن هذا القول هو أصح الأقوال، واستندوا فى ذلك إلى ما ورد بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما، فقد أخرج عنه الحاكم والبيهقى وغيرهما أنه قال: أنزل القرآن فى ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه فى إثربعض. وأخرجا عنه أيضا وكذلك النسائى أنه قال: أنزل القرآن فى ليلة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك فى عشرين سنة ثم قرأ: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} الفرقان: ٣٣، {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء: ١٠٦.
وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة عنه أيضا: قال فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبى صلى الله عليه وسلم.
كما جاءت رايات أخرى عن ابن عباس بأسانيد لا بأس بها تؤكد هذا المعنى ومعنى: " مواقع النجوم " أنه نزل على مثل مساقطها، مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق.
٢ -أنه نزل إلى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر، أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين -حسب الاختلاف فى مدة مكث النبى صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة-فى كل ليلة قدر ينزل ما يقدر الله إنزاله فى كل السنة، ثم نزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة، وقد حكى الفخر الرازى هذا القول، وتوقف فى الأخذ به، هل هو أولى أو القول الأول.
٣-أنه ابتدئ نزوله فى ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة.
وهذا القول مروى عن الشعبى.
٤ - حكى الماوردى قولا مؤداه: أنه أنزل من اللوح المحفوظ جمله واحدة، وأن الحفظة نجمته على جبريل فى عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبى صلى الله عليه وسلم فى عشرين سنة. وهذا القول غريب، والمعتمد أن جبريل كان يعارضه فى رمضان بما ينزل به عليه طوال السنة، وهو مروى عن ابن عباس.
هذه جملة من الأقوال صحح ابن حجر فى " فتح البارى " أولها وقال: إنه المعتمد، ثم قال ابن حجر: أخرج أحمد والبيهقى فى الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه) وفى رواية "وصحف إبراهيم لأول ليلة " قال: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن} وقوله: {إنا أنزلناه فى ليلة القدر} فيحتمل أن تكون ليلة القدر فى تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا: ثم أنزل فى اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول: {اقرأ باسم ربك الذى خلق} .
بعد سرد هذه الأقوال التى روى أكثرها عن ابن عباس يمكن فهم الآيات التى تتحدث عن نزول القرآن أو عن تنزيله، ويهمنا من كل ذلك أن نقبل على القرآن حفظا وتدبرا، ثم عملا وتطبيقا. وأن يطل متوارثا بيننا بأخذه جيل عن جيل تحقيقا لقوله تعالى ع: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: ٩