[طلاق وظهار]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم ١٤٠١ هجرية - ١٨ نوفمبر ١٩٨٠ م
المبادئ
١ - قول الرجل لزوجته (أنت طالق) ثم قوله لوالده أثناء غضبه (طالق طالق طالق) يريد زوجته ثم قوله لها (أنت حرمانه على زى أمى وأختى) يقع طلاقه فى المرة الأولى ولا يقع فى المرة الثانية إذا دخلت درجة غضبه فى نطاق واحدة من الحالتين اللتين لا يقع فيهما الطلاق وتكون ألفاظه فى المرة الأخيرة ظهارا نواه أو لم ينو شيئا لتصريحه بلفظ الحرمة فيها.
٢ - ما أثبته المأذون مخالفا للواقع لا يرفعه لأن الحل والحرمة ومسئولية الزوج المسلم لا تستفاد مما كتبه المأذون
السؤال
بالطلب المتضمن أن رجلا قال لزوجته أولا (أنت طالق) بسبب خلاف بينهما، ثم بعد نقاش بينه وبين والده فى شأن إعادتها للمنزل فى يوم محدد خرج عن شعوره إثر غضبه ورد على والده بقول (طالق.
طالق. طالق) يريد زوجته بهذا القول.
وفى مرة ثالثة قال لزوجته إثر خلاف بينهما أيضا (أنت حرمانه على زى أمى وأختى) ثم توجه إلى المأذون فأثبت لديه طلقة أولى رجعية مع جهل المأذون بالموضوع وأضاف السائل أن هذا الشخص عصبى المزاج يثور لأتفه الأسباب، ويتناول أحيانا مهدئا للأعصاب.
وطلب بيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
إن الطلاق من حيث لفظه إما صريح مثل أنت طالق، وإما كناية مثل أنت خالصة، أنت محرمة.
وبالأول يقع الطلاق بمجرد النطق به ممن هو أهل لإيقاعه شرعا سواء كان جادا قاصدا أو هازلا لاعبا، ولا يقع بالكناية إلا بالنية.
وطلاق الغضبان غير واقع فى حالتين الأولى أن تبلغ حالة الغضب نهايتها، بحيث لا يدرى الغضبان ما يقوله ولا ما يقصده.
والحالة الأخرى أن لا يبلغ الغضب تلك الدرجة من فقدان الوعى ولكنه يصل إلى الهذيان، فيغلب عليه الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله.
والمناط فى الحالتين أن يخرجه الغضب عن وزن ما يقول وإدراكه إدراكا صحيحا.
وغلبة الهذيان بمعنى أن تكون غلبة خارجة عن عادته، ولا يشترط زوال العقل وإلا أخذ حكم المجنون لا الغضبان.
أما إذا لم تبلغ حالة الغضب بالرجل واحدة من هاتين الحالتين كانت مجرد انفعال، وعندئذ يقع بقوله الصريح الطلاق قصده أو لم يقصده.
لما كان ذلك كان قول الرجل المسئول عنه لزوجته فى المرة الأولى (أنت طالق) من صريح ألفاظ الطلاق الذى يقع به طلقة أولى رجعية إذا لم يكن قد سبق بينهما طلاق واقع شرعا، وكان قوله لوالده أثناء مناقشتهما (طالق.
طالق. طالق) فى حال خروجه عن شعوره إثر غضبه، ويريد بهذه الألفاظ زوجته غير معتد به، ولا يقع به الطلاق إذا انطبقت درجة غضبه على واحدة من تلك الحالتين.
أما إذا كان غضبه مجرد انفعال، فإنه يقع بهذه الألفاظ الثلاث طلقة رجعية إذا كان قد نطق بها فى نفس واحد، تطبيقا للمادة الثالثة من القانون رقم ٢٥ سنة ١٩٢٩ التى تنص على أن الطلاق المقترن بالعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة، وهذا الحكم مأخوذ من فقه بعض المذاهب الإسلامية، وتعتبر طلقة ثانية رجعية من المسئول عنه إذا لم يكن قد أوقع غير الطلاق السابق.
وكان قول هذا الزوج فى المرة الثالثة لزوجته حين اختلف معها (أنت حرمانة على زى أمى وأختى) من كنايات الظهار، وهى أيضا من كنايات الطلاق، وعليه تحديد ما نوى بهذا القول ويصدق فيما يحدده، وإذا قال لم أنو شيئا لم يصدق لتصريحه بلفظ الحرمة الذى يقتضى إما حرمة الظهار وإما فرقة الطلاق، وإن ادعى عدم النية حمل لفظه على الظهار لأنه يحتمله، وحرمته دون حرمة الطلاق.
فيثبت به الأدنى لأن حرمة الظهار لا تزيل عقد الزواج بخلاف حرمة الطلاق، لا سيما إذا اعتبر طلاقه واقعا فى المرة الثانية بأن لم تبلغ به درجة الغضب واحدة من تلك الحالتين، وهذا هو ما يقضى به فقه مذهب الإمام أبى حنيفة فى ألفاظ كنايات الظهار والطلاق وحكمها الذى يجرى عليه القضاء بنص المادة ٢٨٠ من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
وإذا كان ذلك كان الزوج المسئول عن واقعاته مطلقا لزوجته طلقة رجعية فى المرة الأولى، وتعتبر أولى الطلقات إذا لم يكن قد سبق بينهما طلاق واقع شرعا.
وكان طلاقه غير واقع فى المرة الثانية إذا دخلت درجة غضبه فى نطاق واحدة من الحالتين سالفتى الذكر.
فإذا لم تدخل فى نطاق أيتهما كان طلاقه واقعا واحتسبت عندئذ طلقة ثانية.
وتقدير حالة الغضب ومدى انطباقه أمر شخصى يناط بالمشاهدين له وقت الغضب لا إلى ذات الحالف.
وكانت ألفاظه فى المرة الأخيرة ظهارا نواه أو لم ينوه لتصريحه بلفظ الحرمة.
وصرف هذا اللفظ إلى الظهار أولى وأخف من صرفه إلى الطلاق، وعندئذ تحرم عليه زوجته ولا يحل له مسها إلا بعد تأدية كفارة الظهار التى بينها الله سبحانه فى سورة المجادلة {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير.
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} المجادلة ٣، ٤، وهى على الترتيب تحرير رقبة، فمن لم يجد فصوم شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، بإعطاء كل واحد نصف صاع من القمح أو قيمته (الصاع بالكيل المصرى بتقدير فقه الإمام أبى حنيفة قدحان وثلث القدح) .
أما ما أثبته المأذون من أن ما وقع هو طلقة أولى رجعية فلا يرفع الواقع، لأن الحل والحرمة مسئولية الزوج المسلم أمام الله سبحانه، لا تستفاد مما كتبه المأذون، وقد يكون عن غير علم كما جاء فى السؤال.
فلتكن تقوى الله ومراقبته والوقوف عند حدوده غاية المسلم، وألا يحتال، ولا يحاول الإفلات مما وقع فيه بما هو شر وأخزى.
{وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} من الآية الأولى من سورة الطلاق.
والله سبحانه وتعالى أعلم