هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "عجب ربك من شاب ليست له صبوة"؟
الجواب
روى الإمام أحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يعجب ربك من الشباب ليست له صبوة" والصبوة هى الميل والانحراف، أورد الإمام الغزالى هذا الحديث فى كتابه "إحياء علوم الدين " عند كلامه عن التوبة، وقال: إن الناس قسمان، شاب لا صبوة له، نشأ على الخير واجتناب الشر، وقال: إن هذا القسم عزيز نادر.
والعراقى فى تخريجه لأحاديث الإحياء قال: إن هذا الحديث فى سنده "ابن لهيعة" ولم يقل: إنه صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع، ذلك لأن ابن لهيعة اختلف علماء الحديث فى قبول روايته وعدم قبولها. ومن الذين قبلوا روايته مطلقا أحمد بن حنبل والثورى وابن وهب وابن معين، ومن الذين رفضوا روايته مطلقا يحيى بن سعيد والنسائى والترمذى والحاكم، وبعض منهم قبلوا روايته قبل احتراق كتبه، منهم ابن حبان وابن خزيمة، والراجح فى أمره ما ذكره ابن حجر من أنه صدوق يحتج به قبل التخليط وقبل احتراق كتبه، والتخليط مرض يؤثر على الضبط.
والحديث على الرغم من الاختلاف فى سنده صحيح المعنى، لأن الشاب المستقيم الذى نشأ فى طاعة الله ولم ينحرف جاء الحديث الصحيح بأنه سيكون من السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذلك أن الشاب فى فترة شبابه تتجاذبه عدة عوامل تغريه بالخطأ فغرائزه قوية قد يضعف العقل أمام سلطانها، وإذا خاف الشاب ربه من تلبية نداء غرائزه بدون حدود عاش فى جهاد وعراك ومغالبة لينتصر على شهواته، وهذا الجهد المبذول يقدره الله حق قدره، ويكافئ عليه صاحبه بما يتناسب مع إيمانه وخوفه من ربه.
والتعبير فى الحديث بأن الله يتعجب من الشاب الذى ليست له صبوة يراد به الرضا عنه رضاء كبيرا، ففيه مشاكلة لما يحدث بين الناس من التعجب والدهشة للأمر الغريب الذى يخرج عن المألوف.
وقد ينتهى التعجب والاستغراب بعد معرفة الأسباب إلى الإعجاب والإكبار، أو يكون هو المراد من الحديث، ويشبهه ما جاء فى حديث رواه أبو داود والنسائى عن عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يعجب ربك من راعى غنم فى رأس شظية للجبل، يؤذن للصلاة ويصلى، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا، يؤذن ويقيم الصلاة يخاف منى، قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة".
ذلك أن الراعى فى عمله الشاق وفى بعده عن أنظار الناس لا ينسى واجبه نحو ربه الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، فيؤذِّن للصلاة ويؤديها مخلصا لله وحده راجيا ثوابه خائفا من عقابه، وكثير من الناس فى مثل هذه الحالة لا يهتمون بأداء الواجب، لأن أحدًا لن يؤاخذهم، فهم فى خفاء عنه، ناسين أن الله رقيب عليهم.
فالحديث صحيح فى معناه لأن النصوص القوية تشهد له، وهو دعوة إلى الإخلاص والمراقبة فى كل عمل، ومجاهدة السوء مهما كانت مغرياته