[وقت صلاة الجمعة]
المفتي
عطية صقر.
مايو ١٩٩٧
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كنت فى بعض دول الخليج فرأيت جماعة يقيمون صلاة الجمعة قبل الزوال بنحو ساعة ولما ناقشتهم فى ذلك قالوا: إن هذا جائز، فهل هذا صحيح؟
الجواب
اتفق الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة والشافعى على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، الذى يدخل بزوال الشمس، وانفرد أحمد بن حنبل بالقول بدخول وقتها قبل الزوال.
وحجة الجمهور: أن فريضة الجمعة بدل فريضة الظهر، فهى خامسة يومها وليست فريضة زائدة، فوقتها هو وقت ما كانت بدلا عنه وهو الظهر. ويؤكد ذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدليل ما يأتى:
(ا) عن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الجمعة حين تميل الشمس. رواه البخارى وأحمد وأبو داود والترمذى.
(ب) عن أنس أيضا قال: كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم نرجع القائلة فنقيل. رواه البخارى وأحمد، والقائلة هى القيلولة، أى النوم أو الاستراحة بعد الظهر.
(ب) عن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتبع الفىء، رواه البخارى، والفىء هو الظل.
(د) عن سويد بن غفلة أنه صلى مع أبى بكر وعمر حين تزول الشمس، رواه ابن أبى شيبة وإسناده قوى.
(هـ) صحت الروايات عن على والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضى الله عنهم أن صلاة الجمعة بعد الزوال.
وقد جاء فى بعض الروايات: أحيانا نجد فيئا، وأحيانا لا نجد، فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن صلاة الجمعة يدخل وقتها بالزوال كالمعتاد فى وقت صلاة الظهر. وتتبعهم الفىء الذى يجدونه أحيانا وأحيانا لا يجدونه يشير إلى مبادرتهم بصلاتهم الجمعة عقب الزوال، وأن الظل كان قصيرا لقصر البيوت، ولقصره كأنه غير موجود لعدم وقايته من حرارة الشمس.
واستدل الحنابلة بظاهر بعض الروايات الصحيحة، وبروايات أخر. . . ليست قوية منها:
(ا) عن أنس قال: كنا نبكر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة، رواه البخارى، وفى لفظ له أيضا: كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم تكون القائلة، فظاهر الحديث أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار، أى أوله، قال الحافظ ابن حجر ردا على هذا الاستدلال ليلتقى مع الروايات الأخرى: لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض، وقد تقرر أن التبكير يطلق على فعل الشيء فى أول وقته أو تقديمه على غيره، وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدءون الصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت عادتهم فى صلاة الظهر فى الحر، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون، لمشروعية الإبراد، أى تأخير صلاة الظهر حتى يتلطف الجو.
(ب) عن أنس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعنى الجمعة، رواه البخارى، قالوا:
إن التبكير يفهم من فعلها قبل الزوال، وأجيب بما أجيب به فى الحديث السابق، وقوله يعنى الجمعة، يحتمل أن يكون من كلام التابعى الذى روى عن أنس، أو من هو دون التابعى، فهو ليس من كلام أنس، لأن الروايات عن أنس، أنه كان يبكر بها مطلقا، كما أخرجه الإسماعيلى وليس فيه قوله:
يعنى الجمعة.
(ي) عن سهل بن سعد قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة، رواه الجماعة وزاد أحمد ومسلم والترمذى، فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم قالوا: إن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال، وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال:
لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال. وأجيب بأن القيلولة هى نوم نصف النهار بسبب شدة الحر، وذلك يكون بعد الزوال، وكيف يكون غداء قيلولة قبل الزوال. وقد اختلف أصحاب أحمد فى الوقت الذى تصح فيه قبل الزوال، هل هو الساعة السادسة أو الخامسة، أو وقت دخول صلاة العيد فى أول النهار؟ (د) عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس، رواه مسلم وأحمد والنسائى قالوا: إن راحة الجمال حين الزوال بعد صلاة الجمعة دليل على أنها صليت قبل الزوال. وأجيب بأن قوله: حين تزول الشمس أى فى أول وقت زوالها أو قريبا منه مما يدل على شدة التبكير بالصلاة فى أول وقتها.
(ط) ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين ويجلس بينها يقرأ القرآن ويذكِّر الناس، كما فى صحيح مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة أخت عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: ما حفظت "ق والقرآن المجيد" إلا من فى "فم " رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها على المنبر كل جمعة، وعند ابن ماجه من حديث أبي بن كعب أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة "تبارك " وهو قائم يذكر بأيام الله. وكان يصلى بسورة الجمعة والمنافقين كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث على وأبى هريرة وابن عباس، قالوا: لو كانت خطبته وصلاته بعد الزوال ما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظل يستظل به. وأجيب بعدم التسليم بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب دائما بسورة "ق أو تبارك " وإن كان قد تكرر منه، لكن الغالب أنه كان ينتهى من الصلاة مبكرا حتى لا يشتد الحر على المصلين وهم عائدون إلى بيوتهم.
(و) عن عبد الله بن سيدان السلمى قال: شهدت الجمعة مع أبى بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره، رواه الدارقطنى وأحمد فى رواية ابنه عبد الله، وأجيب بأن ابن سيدان غير معروف العدالة على الرغم من أنه تابعى كبير، قال ابن عدى عنه: شبه المجهول، وقال البخارى:
لا يتابع على حديثه. وحكى فى الميزان عن بعض العلماء أنه قال: هو مجهول لا حجة فيه. على أنه لو سلم بصحة الرواية ما معنى أن خطبة عثمان وصلاته استمرتا حتى زوال النهار، هل تعدى بهما الوقت حتى دخل وقت العصر وغابت الشمس أو كادت؟ إن الكلام فيه مبالغة ظاهرة، فينبغى أن يحمل التبكير على أنه فى أول وقتها وهو الزوال، والتأخير على أنه قبيل دخول وقت العصر.
(ز) روى عن ابن مسعود أنه صلى الجمعة ضحى وقال: خشيت عليكم الحر، كما أخرجه ابن أبى شيبة من طريق عبد الله بن سلمة، ورد بأن شعبة وغيره قالوا: إن عبد الله هذا وإن كان صدوقا إلا أنه تغير لما كبر كما روى عن معاوية أنه صلى الجمعة أيضا ضحى، كما أخرجه ابن أبى شيبة من طريق سعيد بن سويد، ورد بأن سعيدا هذا ذكره ابن عدى فى الضعفاء. ومثل ذلك قيل فيما روى عن جابر وسعيد بن زيد وسعد بن أبى وقاص، فإن الروايات عنهم لا تعارض ما هو أقوى منها.
(ح) قال الحنابلة: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة "إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين " فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه وقت صلاة العيد "الفطر والأضحى" ورد بأن التسمية لا تقتضى التشبيه فى كل شىء، ألا ترى أن يوم العيد يحرم صومه، أما يوم الجمعة فلا وبخاصة إذا سبق بصيام يوم الخميس أو أتبع بصيام يوم السبت؟ هذه هى أدلة الجمهور وأدلة أحمد، وقد رأيت أن أدلة الجمهور أقوى، وإن كان الشوكانى قال فى الجمع بين الرأيين: إن أدلة الجمهور لا تنفى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال، أى ليس فيها أسلوب الحصر الذى يمنع ما عداه، وأنا أميل إلى أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وإن كان من الممكن صلاتها قبل الزوال بوقت قصير عند الضرورة كالحر الشديد ونحوه، والضرورة تقدر بقدرها. ولكل بلد ظروفه ولكل زمن ما يناسبه، والله أعلم، "راجع فتح البارى لابن حجر ج ٣ ص ٣٧ ونيل الأوطار للشوكانى ج ٣ ص ٣٣٠ والمغنى لابن قدامة "