للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحمل والحيض]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

أنا حامل وفى بعض الأحيان ينزل علىَّ دم، هل يعتبر حيضا فأمتنع عن الصلاة والصوم،أو يعتبر نزيفا لا يمنع من الصلاة والصوم؟

الجواب

اختلف العلماء فى الدم الذى ينزل من الحامل هل هو دم حيض أم لا، فرأى أبو حنيفة ومن قبله عطاء والشعبى أنه ليس حيضا ولا يأخذ حكمه، لقوله تعالى: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد} الرعد: ٨ على معنى أن الحيض هو انقطاع دم الحيض أثناء الحمل، والازدياد هو دم النفاس بعد الوضع، وهو رأى الأمام أحمد أيضا.

ورأى مالك والشافعى فى أحد قوليه أن الحامل تحيض، وهو تأويل ابن عباس للآية بأنه حيض الحبالى، وكذلك روى عكرمة ومجاهد وهو قول عائشة وأنها كانت تفتى النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة والصحابة إذ ذاك متوافرون، ولم ينكر منهم أحد عليها، فصار كالإجماع قاله ابن القصار، وذكر القرطبى فى تفسيره "ج ٩ ص ٢٨٦" حادثة أيام عمر استدل بها على أن الحامل تحيض، ثم قال: احتج المخالف -وهو أبو حنيفة ومن معه- بأن قال: لو كانت الحامل تحيض وكان ما تراه المرأة فى الدم حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض، وهو إجماع وروى عن مالك فى كتاب محمد: ما يقتضى أنه ليس بحيض.

انتهى.

وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن من شروط الحيض أن يكون الرحم خاليا من الحمل، فما تراه الحامل من الدم يكون دم فساد، لكن المالكية والشافعية قالوا: إنه يكون دم حيض، إلا أن الشافعية قالوا: تعتبر مدة حيضها فى الحمل كعادتها فى غيره، أما المالكية فإنهم قالوا: إن رأت الحامل الدم بعد شهرين من حملها إلى ستة أشهر فإن مدة حيضها تقدر بعشرين يوما إن استمر الدم، وفى ستة أشهر إلى آخر الحمل تقدر بثلاثين يوما، أما إذا رأت الدم فى الشهر الأول أو الثانى من حملها كانت كالمعتادة، وفسروا ذلك بأن حيضها يقدَّر بثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها استظهارا، فإن اعتادت خمسة أيام ثم تمادى حيضها مكثت ثمانية أيام، فإن استمر بها الدم فى الحيضة الثالثة كانت عادتها ثمانية، لأن العادة تثبت بمرة، فتمكث أحد عشر يوما، فإن تمادى فى الحيضة الرابعة تمكث أربعة عشر يوما، فإن تمادى بعد ذلك فلا تزيد على الخمسة عشر يوما، ويكون الدم الخارج بعد الخمسة عشر، أو بعد الاستظهار بثلاثة أيام على أكثر العادة قبل الخمسة عشر يوما -دم استحاضة. انتهى.

هذا هو الحكم الشرعى فى رأى الفقهاء فى الدم الذى ينزل على الحامل هل هو حيض أو لا؟ ولعل الطب له كلام فى هذا الموضوع، يمكن به التمييز بين دم الحيض والنزيف، بناء على ما قيل: إن دم الحيض أعداد للرحم لاستقبال البويضة الملقحة فإن استقرت فيه يقال لا توجد فرصة لاستقبال بويضة أخرى ليوجد حملان فى الرحم بينهما مدة، ولو وجدت بويضتان معا كان الحمل توأما، فهل يمكن أن تحل بالرحم بويضة ثم بعد فترة تحل بويضة أخرى فيكون هناك حملان، أحدهما قبل الآخر؟ وقد يولدان معا أو يوجد فاصل بينهما فى الوضع، لعل هناك جوابا يوضح ذلك عند المختصين.

هذا، وقد جاء فى المغنى لابن قدامة "ج ١ ص ٣٧٥" أن الحامل لا تحيض، إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس، وهو مذهب أحمد وأبى حنيفة ورأى جمهور التابعين. وقال مالك والشافعى:

ما تراه من الدم حيض إذا أمكن، لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغير الحامل، واستدل لمذهب أحمد بالحديث "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل -أى غير حامل- حتى تستبرأ بحيضة" موجها ذلك بأن وجود الحيض علامة على براءة الرحم، فدل على أنه لا يجتمع مع الحمل وقال: إن الحامل لا يعتادها الحيض غالبا، فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة، قال أحمد إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم. وحمل رأى عائشة فى أنه حيض على ما تراه الحامل من الدم قريبا من ولادتها فهو نفاس لا تصلِّى فيه.

ورأيى أن مذهب أبى حنيفة وأحمد أيسر فى التطبيق فلا يعدُّ دم الحامل حيضا، إلا ما يرى قبيل الولادة فيكون نفاسا لا تصلى ولا تصوم - فيه، ومذهب مالك فيه صعوبة بالصورة التى ذكرت فى كتاب الفقة على المذاهب الأربعة، ولا يجب التعصب لرأى فى الفروع ودين الله يسر

<<  <  ج: ص:  >  >>