للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجالس الغيبة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ضمنى مجلس مع بعض الأصدقاء، فوجدتهم يتحدثون عن معايب بعض الغائبين عن المجلس وأنا اعلم انه برئ من ذلك فاستحييت أن اكذب كلامهم، ولما علم هذا الغائب بسكوتى قاطعنى فكيف أتصرف؟

الجواب

من المعلوم أن الغيبة محرمة، والنصوص فى ذلك كثيرة، ومن المعلوم أيضا أن المؤمن إذا رأى منكرا وجب عليه أن يقاومه بالوسيلة الممكنة من اليد واللسان والقلب كما صح فى الحديث، وكان من الواجب على من حضر مجلس المغتابين أن يقوم بواجبه نحو هذا المنكر، ولا يقتصر على بيان حرمة ارتكاب المنكر، بل ينبغى أن يرد ما تحدث به المغتابون إن كانوا كاذبين فهناك أمران مطلوبان، أحدهما نحو المغتابين والثانى نحو من اغتابوه، وبخاصة إن كان شخصا فاضلا أو له حق على الإنسان كالوالد والمعلم.

يقول الإمام النووى " الأذكار ص ٣٤٠ ": اعلم أنه ينبغى لمن سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها، فإن لم يستطع فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حق أو كان من أهل الفضل والصلاح كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر، وأورد حديثا رواه الترمذى وحسَّنه لا من رد عن عِرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " وحديثا رواه البخارى ومسلم جاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قام يصلِّى فسأل عن مالك بن الدخشم، فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم " لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله " وذكر دفاع معاذ بن جبل عن كعب بن مالك حين ذمه رجل من بنى سلمة فى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وإقرار النبى لمعاذ كما ذكر حديثا رواه أبو داود فى سننه " ما من امرئ يخذل امرأ مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله فى موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما فى موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله فى موطن يحب نصرته " كما ذكر حديثا رواه أبو داود " من حمى مؤمنا من منافق - أراه قال -بعث الله تعالى ملكا يحمى لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلما بشىء يريد شينه حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال.

إن صاحب السؤال قد قصَّر فى حق المغتابين بالاستحياء من تكذيبهم، وقصر فى حق الغائب بعدم الدفاع عنه، وبهذا يكون قد ارتكب خطأين، إلى جانب خطأ ثالث وهو عدم ترك هذا المجلس الذى يرتكب فيه المنكر، وفيه إغراء للمغتابين على الاستمرار فيه، ودليل ولو فى الظاهر على أنه موافق لهم راض عن معصيتهم، والرضا بالمعصية إسهام فيها يجازى بالتالى عليها، والله سبحانه يقول: {وقد نزًّل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين فى جهنم جميعا} النساء:١٤٠ " انظر ص ٣٣٦ من الأذكار" وقد مر توضيح ذلك فى ص ٩ ٤ ٦ من المجلد الرابع.

ومن حق أخيك الذى لم تدافع عنه أيها السائل أن يعتب عليك لأنك قصرت فى حق المسلم على أخيه المسلم، وأرجو أن تعتذر له حتى تعود الصلة بينكما، كما أرجو من صديقه أن يقبل العذر حتى لا يدخل تحت الحديث " من أتاه أخوه متنصلا- معتذرا - فليقبل ذلك، محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يرد على الحوض" رواه الحاكم وصححه، وروى مثله تقريبا انطبرانى.

وأنصح السائل أن يختار أصدقاء من الصالحين، والحديث فى مثل الجليس الصالح والجليس السوء معروف

<<  <  ج: ص:  >  >>