ما حكم الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الآذان؟
الجواب
الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم مطلوبة بوجه عام لقوله تعالى {إن الله وملائكته يصلُّون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب: ٥٦،ومن مواضع تأكدها يوم الجمعة وعقب الأذان لورود الحديث الصحيح بذلك، فقد روى مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىَّ، فإنه من صلى علىَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ... " وإذا كان الأمر فى هذا الحديث لمن يسمعون الأذان فإنه لم يرد نهى عنها للمؤذن، فيبقى طلبها منه مؤكدا كطلبها من غيره قائما كما قال بعض العلماء، ورأى آخرون أن نحافظ على ما كان عليه العمل أيام الرسول وصحابته من عدم رفع المؤذن صوته بها وإن لم يمنعوا أن يقولها سرا فهى قربة فى كل وقت. وما خالف ذلك فهو بدعة ضلالة تؤدى إلى النار وقال ابن حجر فى الفتاوى الكبرى: قال المشايخ: الأصل سنة والكيفية بدعة.
فهناك اجتهادان أو رأيان فى كونها ممنوعة أن يجهر بها المؤذن أو غير ممنوعة، ولهذا لا يجوز التعصب لأحد الرأيين، فالتعصب لغير القطعى منهى عنه، لأنه يحدث فتنة، مع العلم بأن الجهر بالصلاة على النبى بعد الأذان لا يحدث ضررا، ولم يرد عنه نهى بخصوصه كما قدمنا.
ومما هو جدير بالذكر أن المفتى الأسبق للديار المصرية المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى المتوفى سنة ١٩٣٥ م قال فى كتابه "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام " أن أمير مصر فى القرن الثامن الهجرى أمر بها، ونحن مأمورون بطاعة ولى الأمر فيما ليس بمعصية، وهى ليست بدعة هوى بل سنة هدى، لأن الحديث يقول " من سَنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " وفى رواية مسلم " من سَنَ سنة حسنة فى الإسلام فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شىء ".
ومع ذلك نقل الشيخ محمد عبده عن "الخانية " فى فقة الحنفية أنها بدعة، وقال: لا عبرة بقول من قال إنها بدعة حسنة، لأن كل بدعة فى العبادات سيئة.انتهى.
هذا مع العلم بأنها ليست من الأذان الشرعى، بل هى زائدة عليه، وإطلاق أن كل بدعة فى العبادات ضلالة غير مسلَّم عند كثير من العلماء.
فالخلاصة أن الجهر بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فيه رأيان الجواز والمنع، ولا ينبغى التعصب لرأى من الآراء، وأنصح كل مسلم أن يتريث فى الحكم على الأشياء، وأن يطلع على أقوال المجتهدين ليكوِّن من ذلك رأيا، وإذا دعا إليه فليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أنصح بعدم الإكثار من الزيادات بعد الأذان مما ليس له أصل يعتمد عليه، كذكر المشايخ والأولياء وغيرهم، وأشدد التنبيه على الاهتمام بالمسائل الأصلية وعلاج القضايا والمشكلات الضاغطة وبخاصة فى أيامنا الحاضرة، بدلا من بذل الجهد الكبير والمال الوفير فى الدعوة إلى سنة لو تركناها أصلا ما كان لها ضرر فى عبادتنا ولا فى سلوكنا.
وأرجو ألا يفهم أحد من ذلك أننى أقلل من شأن السنة، ولكن الأمر أمر أولويات، وبُعد عن الخلافات التى تنتهى إلى أمور محرمة كالاتهام الكاذب واحتقار الغير ومقاطعته، وفى احترام سلفنا الصالح من العلماء لأراء غيرهم ما يدل على بعد نظرهم وفهمهم الصحيح للدين