[ولاية العاصب على البكر والثيب]
المفتي
عبد المجيد سليم.
صفر ١٣٥٩ هجرية ٦ من ابريل ١٩٤٠ م
المبادئ
١ - للولى حق ضم ابنته البكر مطلقا سواء خيف عليها الفساد أم لا متى كانت حديثة السن وليس لها الانفراد بالسكنى ولا السكن حيث شاءت فى هذه الحالة.
٢ - إذا طعنت فى السن واجتمع لها رأى وعقل فلها السكنى فى مكان لا يخاف عليها فيه وليس لأحد أوليائها حق ضمها إليه.
٣ - المراد بطعنها فى السن هو دخولها فى سن نزول حداثتها وشبقها والمراد باجتماع الرأى والعقل كونها بحيث لا تكون محلا ولا مظنة للانخداع.
٤ - يكفى سؤال القاضى ممن يثق به ويطمئن إليه عن كون الثيب مأمونة أو غير مأمونة فإن أخبر بأنها غير مأمونة على نفسها ضمها إلى وليها وإن أخبر بأمانتها على نفسها كان لها الانفراد بالسكنى حيث لا خوف عليها وما يجرى فى الثيب يجرى فى البكر المسنة
السؤال
من فضيلة قاضى حمص قال ادعت البنت البكر أنها بلغت السادسة عشر من عمرها وهى بذلك أصبحت رشيدة وملكت أمر اختيار إقامتها وقد اختارت الإقامة عند جدها لأمها الأمين دون والدها الذى يقول إنه صاحب الولاية عليها وإنها مجبرة على الإقامة فى بيته دون سواه وإنه الأمين القادر على حفظها.
وجاء فى التنوير متنا وشرحا (إذا بلغت الجارية مبلغ النساء إن بكرا ضمها الأب إلى نفسه إلا إذا دخلت فى السن) أى بلغت أشدها واجتمع لها رأى فتسكن حيث أحبت حيث لا خوف عليها وإن ثيبا لا يضمها إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها.
فللأب ضمها وللجد ولاية الضم لا لغيرهما.
ومثله فى تكملة فتح القدير وشرح الكنز أما فى الفتاوى المهدية فقال إن بكرا ضمها الأب إلى نفسه إلا إذا طعنت فى السن واجتمع لها رأى فتسكن حيث أحبت حيث لا خوف عليها إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها فللأب والجد ولاية الضم) فادعى وكيل الأب أن المراد من كلمة طعنت فى السن هو بلوغ الفتاة سن الشيخوخة والهرم مستندا فى تعريف لفظ طعنت ودخلت إلى ما فى كتابى قطر المحيط للبستانى وكنز الحفاظ فى تهذيب الألفاظ لأبى يوسف يعقوب بن السكيت.
وقال وكيل النبت إن المراد بكلمة طعنت فى السن ودخلت فى السن هما انتقالها من دور المراهقة إلى دور البلوغ والرشد مستندا إلى الاصطلاح الفقهى فى ذلك بداعى أنه لا يعتمد على التعريف الوارد فى كنز الحفاظ.
وعليه فقد تقرر الاستفتاء من مقامكم عما يأتى: ١ - هل لها حق الاختيار فى الإقامة إذا بلغت رشيدة أم لا.
٢ - ما هو المراد شرعا من كلمة طعنت فى السن ودخلت فى السن هل هو ما ذهب إليه وكيل الأب أم وكيل البنت.
وإذا كان الأول فما هو حد الطعن فى السن وما هو النص الشرعى عليه.
أم يعتمد على تعريفه فى كتب اللغة فقط.
وإذا كان الثانى فما هو السند الشرعى.
٣ - متى تكون الفتاة مأمونة على نفسها وهل يجب أن يثبت ذلك بالوجه الشرعى أم مجرد فتوتها يكون باعثا على الحكم بأنها غير مأمونة وهل يكون هذا من قبيل الحكم بالظن أم لا وما هو النص الشرعى فيه.
٤ - ما هى الشرائط التى يجب أن تتوفر فى البكر البالغة لتملك حق اختيارها
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال.
ونفيد أنه جاء فى صفحة ٢١٢ وما بعدها من الجزء الخامس من مبسوط السرخسى ما نصه ثم الغلام إذا بلغ رشيدا فله أن ينفرد بالسكن وليس للأب أن يضمه إلى نفسه إلا أن يكون مفسدا مخوفا عليه فحينئذ له أن يضمه إلى نفسه اعتبارا لنفسه بماله فإنه بعد ما بلغ رشيدا لا يبقى للأب يد فى ماله فكذلك فى نفسه وإذا بلغ مبذرا كان للأب ولاية حفظ ماله فكذلك له أن يضمه إلى نفسه إما لدفع الفتنة أو لدفع العار عن نفسه فإنه يعير بفساد ولده.
فأما الجارية إذا بلغت بكرا فللأب أن يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لأنها لم تختبر الرجال فتكون سريعة الانخداع فأما إذا كانت ثيبا فلها أن تنفرد بالسكنى لأنها قد اختبرت الرجال وعرفت كيدهم.
فليس للأب أن يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لأن ولايته قد زالت بالبلوغ وإنما بقى حق الضم فى البكر لأنها عرضة للفتنة وللانخداع وذلك غير موجود فى حق الثيب.
والأصل فيه ماروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس للولى مع الثيب أمر وقال صلى الله عليه وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها يعنى فى التفرد فى السكنى ولكن هذا إذا كانت مأمونة على نفسها وذكر فى كتاب الطلاق أن الثيب إذا كانت مخوفة على نفسها لا يوثق بها فللأب أن يضمها إلى نفسه لبقاء الخوف.
وقد بينا أن ولاية الضم فى البكر لكونها مخوفا عليها فإذا وجد ذلك فى حق الثيب كان له أن يضمها إلى نفسه.
وأما البكر فإن لم يكن لها أب ولا جد وكان لها أخ أو عم فله أن يضمها إليه أيضا لأنه مشفق عليها فيقوم بحفظها وإن كانت لا تبلغ شفقته شفقة الأب بمنزلة ولاية التزويج يثبت للعم والأخ بعد الأب والجد فإن كان أخوها أو عمها مفسدا مخوفا لم يخل بينه وبينها لأن ضمها إليه لدفع الفتنة.
فإذا كان سببا للفتنة لم يكن له حق ضمها إليه بل يجعل هو كالمعدوم فتكون ولاية النظر بعد ذلك إلى القاضى ينظر امرأة من المسلمين ثقة فيضعها عندها.
وكما يثبت للقاضى ولاية النظر فى مالها عند عجزها عن ذلك فكذلك فى حق نفسها.
فإن كانت البكر قد دخلت فى السن فاجتمع لها رأيها وعقلها وأخوها أو عمها مخوف عليها فلها أن تنزل حيث شاءت فى مكان لا يخاف عليها لأن الضم كان لخوف الفتنة بسبب الانخداع وفرط الشبق وقد زال ذلك حين دخلت فى السن واجتمع لها رأيها وعقلها انتهت عبارة المبسوط.
وجاء فى شرح الزيلعى ما نصه وأما الجارية إذا كانت بكرا فلأبيها أن يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لأنها لم تختبر الرجال ولم تعرف حيلهم فيخاف عليها الخداع منهم.
وأما لثيب فإن كانت مأمونة لا يخاف عليها الفتن فليس له أن يضمها إلى نفسه لأنها اختبرت الرجال وعرفت كيدهم فأمن عليها من الخداع وقد زالت ولايته بالبلوغ فلا حاجة إلى ضمه وإن كانت مخوفا عليها فله أن يضمها إليه لما ذكرنا فى حق الغلام.
والجد بمنزل الأب فيه.
وإن لم يكن لها أب ولا جد وكان لها أخ أو عم فله أن يضمها إليه إذا لم يكن مفسدا.
أما إذا كان مفسدا فلا يمكن من ذلك.
وكذلك الحكم فى كل عصبة ذى رحم محرم منها، وكذلك البكر إذا طعنت فى السن فإن كان لها عقل ورأى ويؤمن عليها من الفساد فليس لغير الأب والجد أن يضمها إليه.
وإن خيف عليها ذلك فللأخ والعم ونحوهما من العصبات أن يضمها إليه إذا لم يكن مفسدا.
وإن لم يكن لها أب ولا جد ولا غيرهما من العصبة أو كان لها عصبة مفسد فللقاضى أن ينظر فى حالها.
فإن كانت مأمونة خلاها تنفرد بالسكنى سواء كانت بكرا أو ثيبا.
وإلا وضعها عند امرأة أمينة ثقة تقدر على الحفظ لأنه جعل ناظرا للمسلمين.
وظاهر ما ذكر أن للأب أو الجد عند عدم الأب ولاية ضم البكر مطلقا سواء أكانت حديثة السن أم طاعنة فيها وسواء أكانت مأمونة على نفسها أم غير مأمونة وأن غير الأب والجد له حق ضم البكر إلى نفسه إذا كانت حديثة السن فإن طعنت فيها واجتمع لها رأيها وعقلها فليس له ولاية ضمها ولها أن تسكن حيث أحبت فى مكان لا يخاف عليها فيه.
وكلام غير شمس الأئمة السرخسى والزيلعى من الفقهاء الذين اطلعنا على أقوالهم أنه لا فرق بين الأب والجد وغيرهما فى أن البنت البكر إذا طعنت فى السن واجتمع لها رأيها وعقلها ليس لأحد من الأولياء مطلقا أن يمنعها من السكنى حيث شاءت فى مكان يؤمن عليها فيه.
فقد جاء فى المحيط ما نصه فأما الجارية إذا بلغت فإن كانت ثيبا فليس للأولياء حتى الضم إلى أنفسهم ولها أن تنزل حيث شاءت إلا أن يخاف عليها الفساد فحينئذ للأولياء حق الضم إلى أنفسهم.
وإن كانت بكرا فللأولياء حق الضم إلى أنفسهم وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت حديثة السن.
فأما إذا دخلت فى السن فاجتمع لها رأيها وعقلها فليس للأولياء حق الضم ولها أن تنزل حيث أحبت حيث لا يتخوف عليها.
ومثل ذلك فى البحر والدر المختار وغيرهما.
ويمكن حمل كلام المبسوط على ما جاء فى هذه اكتب من عدم الفرق بين الأب والجد وغيرهما بمعونة تعليله حق ضم الأولياء للبكر.
كما يمكن حمل قول الزيلعى فليس لغير الأب والجد على أنه لا مفهوم له وبذلك تلتئم عبارات الفقهاء.
وخلاصة ذلك أن للولى من الأب أو الجد عند عدم الأب أو غيرهما عند عدمهما حق ضم البكر مطلقا خيف عليها الفساد أم متى كانت حديثة السن وأنها ليس لها أن تنفرد بالسكنى ولا أن تسكن حيث شاءت فى هذه الحالة.
وأنها إذا دخلت فى السن واجتمع لها رأيها وعقلها فلها أن تسكن فى مكان لا يخاف عليها فيه وليس لأحد من الأولياء فى هذه الحالة حق الضم.
وظاهر من كلامهم أن المراد بالسن التى دخلتها أو طعنت فيها هى السن التى يزول بها حداثتها والتى يزول بها فرط شبقها وأن المراد باجتماع رأيها وعقلها أن تكون من العقل والرأى بحيث لا تكون مظنة الانخداع فتزول بذلك العلتان فى وجوب الضم للولى وهما فرط الشبق ومظنة الانخداع.
هذا والظاهر مما جاء فى ابن عابدين نفلا عن الرحمتى ونصه عبارة الوجيز مختصر المحيط إلا إذا كانت مسنة ولها رأى، وفى كفاية المتحفظ وفقه اللغة من رأى البياض فهو أشيب وأشمط ثم شيخ فإذا ارتفع عن ذلك فهو مسن أنه يريد تفسير كلمة مسنة الواردة فى عبارة الوجيز بما جاء فى الفقه وهو من ارتفع عن السن التى يكون بها المرء شيخا.
ويؤيد هذا أن الفقهاء ليس لهم اصطلاح خاص فى ذلك فيحمل كلامهم على المعنى اللغوى.
وجاء فى الفتاوى الولوالجيه إذا بلغ الصغير زالت ولاية الأب عنه.
لا حق للأب فيه إذا كان مأمونا عليه وإن كان مخوفا عليه له أن يضمه إلى نفسه لما ذكرنا وكذلك البنت البالغة.
وإن اختلف الأب والبنت البالغة يسأل عن حالها فإن كانت كما يقول ضمها إلى نفسه.
أما البكر فلأبيها أن يضمها إلى نفسه لأنها سريعة الانخداع.
وظاهر من هذا أنه إذا تنازعت البنت الثيب مع أبيها فى أنها مأمونة على نفسها أو غير مأمونة أنه يكفى فى ذلك أن يسأل القاضى من يثق بهم ويطمئن إليهم ممن يعرفونها ويقفون على شئونها عن حالها.
فإن أخبره من يثق بهم أنها غير مأمونة على نفسها حكم القاضى بضمها إلى الأب وإن أخبره من ذكروا أنها مأمونة على نفسها كان لها أن تنفرد بالسكنى حيث لا يتخوف عليها.
والظاهر أن هذا يجرى أيضا فى البكر المسنة إذا اختلفت مع أبيها فى ذلك فيكفى أن يسأل القاضى من يثق بهم من جيرانها والواقفين على أحوالها وشئونها، ولا شك أن العمل بالظن واجب فى المسائل العملية التى لا يتيسر للقاضى القطع فيها.
ومما تقدم جميعه يعلم أولا أنه لا شبهة فى أن البنت البكر التى بلغت السادسة عشرة حديثة السن وغير مسنة فلوالدها حق ضمها وإن لم يخف عليها الفساد، ثانيا أن معنى طعنت فى السن هو ما جاء فى معنى مسنة فى رد المحتار عن الرحمتى نقلا عن بعض كتب الفقه، ثالثا أن كونها مأمونة على نفسها يكفى فى تبيينه للقاضى وثبوته عنده سؤاله من الواقفين على حالها.
كما يعلم الإجابة على باقى المسئول عنه. هذا ما ظهر لنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم