هناك آية تنسب الحسنة إلى الله، والسيئة إلى الإنسان وآية أخرى تقول إن السيئة من الله، فكيف نوفق بينهما؟
الجواب
قال الله تعالى {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} النساء: ٧٩، وقال {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} التغابن: ١١١، الموضوع فى الآيتين مختلف، ففى الآية الأولى بيان الجزاء على ما يعمله الإنسان، وفى الثانية بيان علم الله وإرادته، فالله يجازينا على الحسنة فضلا منه وكرما وعلى السيئة رحمة منه وعدلا، إذا أعطى الله إنسانا ثوابا على حسنة فالثواب منه تفضل، لأننا عباد مفروض أن نطيعه ولا نطلب على طاعتنا أجرا شأن العبد مع سيده، يؤمر فيطيع ولا يطلب من سيده جزاء لأنه مملوك له، فإذا أعطاه سيده أجرا كان تفضلا منه، وهو وإن قل يعد كثيرا، ومع ذلك ففضل الله واسع يعطى الحسنة ثوابا هو عشر أمثالها وإذا عصى العبد ربه وعاقبه على سيئته كان المفروض أن يأخذه ربه بالشدة كالعبد العاصى لسيده، ولكن عدل الله تشوبه الرحمة أيضا فيعطى سيئة على سيئة.
ولا يجوز أن ينسب العبد إلى ربه ظلما على عقابه، فهو المتسبب فيه، ولم يبدأ الله معاقبته بدون سبب، فذلك فى عرف الناس ظلم والله أولى بالبعد عنه "يا عبادى أنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" رواه مسلم {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت: ٤٦، {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى: ٣٥.
أما قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} فيفسره قوله في آلة أخرى {ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها} الحديد: ٢٢، فكل ما يحدث فى الكون معلوم له قبل أن يحدث. وهذا معنى {من قبل أن نبرأها} أى نخلقها، فالإيمان بأن كل شيء فى علم الله يعطى النفس توجيها طيبا، فما يحدث من خير يشكره عليه، وما كان من سوء يصبر عليه ويرضى، وفى الحديث "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم. ويلتقى هذا مع قوله بعد الآية السابقة {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} أى فلا تجزعوا على المصيبة ولا تطغينكم النعمة. . "