لماذا أجاز الله للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة ولم يجز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل؟
الجواب
قال الله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} النساء: ٣، ولقد كان تعدد الزوجات معروفا وسائدا فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة، والإسلام أقره بشرط ألا يزيد على أربع، وألا يخاف العدل بينهن.
وفى مشروعيته مصلحة للرجل، فمن المقررأنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب فى كل وقت من سنه العادى، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام فى حال سوية، أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعد للإخصاب مدة الحمل، وهى أشهر طوال، ومدة الدورة وهى فى الغالب ربع الشهر طيلة عمرها حتى تبلغ سِنَّ الياس، كما أنها تعزف عن المتعة مدة الإرضاع التى قد تبلغ حولين كاملين، ولا ترغب فيها غالبا، أو تلحُّ عليها إلا فى فترة قصيرة جدا كل شهر حين تنضج البويضة، فكان من العدل والحكمة أن يشرع التعدد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه. فالزوجة قد تكون غير محققة لمتعته كما يريد، إما لعامل فى نفسه أو نفسها هى ولا يريد أن يطلقها، وقد تكون عقيما لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل، بل وكل امرأة، فيبقى عليها لسيب أو لآخر، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقق له بالتعدد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها فى الحلال بدل أن ينالها فى الحرام.
كما أن فى تعدد الزوجات مصلحة للمرأة أيظا إذا كانت عقيما أو مريضة وتفضل البقاء فى عصمة الرجل، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصلت، وقد تكون محبة له يعز عليها.أن تفارقه لشرف الانتساب إليه أو نيل خير لا يوجد عند غيره. وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام، وبخاصة فى الظروف الاستثنائية، وبالتعفف عن الفاحشة والمخاللة، وكذلك بزيادة النسل فى بعض البلاد، أو بعض الظروف التى تحتاج إلى جنود أو أيد عاملة.
وإذا علمنا أن الرجل مستعد للإخصاب فى كل وقت، وبتزوجه بعدة زوجات يكثر النسل. جاز له أن يعدد الزوجات، لكن المرأة إذا حملت أو كانت فى فترات الدم أو الرضاع لا تكون مستعدة للحمل مهما كثر اللقاء الجنسى بينها وبين زوجها الواحد، فما هى الفائدة من كثرة اللقاء بينها وبين أكثر من رجل؟ إنها ستكون للمتعة فقط، تتداول كما تتداول السلعة، وفوق أن هذا إهانة لكرامة المرأة: فيه اختلاط للأنساب وتنازع على المولود من أى هؤلاء الرجال يكون، وتلك هى الفوضى الجنسية والاجتماعية التى تضيع بها الحقوق، ولا يتحقق السكن بالزواج.
إن تعدد الأزواج للمرأة الواحدة صورة من صور النكاح فى الجاهلية التى أبطلها الإسلام، كما ثبت فى صحيح البخارى. فقد كان عندهم نكاح أخبرت عنه السيدة عائشة بأن الرهط ما دون العشرة من الرجال يدخلون على المرأة كلهم يصيبونها، فاذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذى كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان - تلحقه بمن أحبت - فلا يستطيع أن يمتنع.
كما كان هناك نكاح البغايا الذى يدخل فيه كثير من الناس على.
المرأة فلا تمتنع ممن جاءها، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة-الذين يعرفون الأثر-فألحقوا ولدها بالذى يرون والتاط به - أى لحقه -ودعى ابنه لا يمتنع منه، والإماء هن فى الغالب اللاتى يحترفن هذه الحرفة، وينصبن الرايات على بيوتهن.
وقد أثير مثل هذا السؤال بالنسبة للجنة حيث يزوج الله الرجل بكثير من الحور العين، ولا يجعل للمرأة إلا زوجا واحدا، ومع الاعتقاد بأن قانون الآخرة ليس تماما كقانون الدنيا، فإن الغرض من نعيم الآخرة هو إمتاع المؤمنين الصالحين بكل ما تشتهيه الأنفس وبخاصة ما حرموا منه فى الدنيا، والإمتاع معنى يقدره اللَّه ويكيفه حسب إرادته، فكما يجعل متعة الرجل فى الحور العين، يجعل متعة المرأة بمعنى آخر، لأن مهمتها الدنيوية فى الحمل لا لزوم لها فى الجنة، وسيضع الله فى قلبها القناعة بحيث لا تغار من زوجات زوجها من الحور، كما جعل الحور أنفسهن قاصرات الطرف على من خصصْنَ له من الرجال، لا يملْن ولايشتهين غير أزواجهن {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} ص: ٥٢، وقد منع اللَّه عن أهل الجنة عامة الغل والحسد، والهم والحزن: قال تعالى {ونزعنا ما فى صدورهم من غل} الحجر: ٤٧، وقال على لسانهم {الحمد للَّه الذى اذهب عنا الحَزن إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المُقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} فاطر: ٣٤، ٣٥