ما رأى الدين فيمن قاطع الخطيب على المنبر فى تصحيح حديث نبوى أو آية قرآنية؟
الجواب
من أجل احترام المسجد وتوفير الجو الهادئ للحاضرين فى يوم الجمعة لسماع الخطبة شرع السكوت والإنصات، ونهى عن اللغو والعبث والانصراف عن الخطيب بأى وجه يكون. قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الأعراف: ٢٠٤، وذلك لاشتمال الخطبة على كثير من القرآن الكريم كما قال بعض المفسرين، وجاء فى الحديث المتفق عليه "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت " ومن لغا فلا جمعة له كما فى حديث أحمد "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذى يقول له أنصت ليست له جمعة" والإمام أبو حنيفة كره الكلام تحريما من وقت خروج الإمام من خلوته حتى يفرغ من الخطبة ولا يعترض عليه حتى لو حصل منه لغو بذكر الظلمة، وحرم الحنابلة أى كلام حتى لو كان الخطيب غير عدل، وأجازه المالكية إن حصل منه ما لا يجوز كمدح من لا يستحق المدح، وذم من لا يجوز ذمه، هذا ما قاله الفقهاء.
وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقطع خطبته إذا وجه إليه سؤال من أحد الحاضرين، فيجيبه إلى خطبته فيتمها، وفى الحديث المتفق عليه أن رجلا طلب منه وهو يخطب الجمعة أن يدعو الله لينزل عليهم المطر فدعا فنزل المطر مدرارا واستمر أسبوعا، فجاء رجل فى الجمعة المقبلة وسأله وهو يخطب الجمعة أن يدعو الله ليمسك المطر حفاظا على الأموال من التلف، فدعا قائلا: اللهم حوالينا ولا علينا، يقول الشوكانى: فى الحديث جواز مكالمة الخطيب حال الخطبة ومعروف أن امرأة اعترضت على عمر وهو يخطب فى المغالاة فى المهور فلم ينهها بل قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وفى إحدى الجمع قال للناس اسمعوا قولى وأطيعوا أمرى، فرد عليه سلمان: والله لا سمعنا قولك ولا أطعنا أمرك ذلك أنه قسم ثياب الصدقة.
فأصاب كل واحد قطعة صغيرة لا تكمل ثوبا، وظهر عمر أمامهم على المنبر بثوب كامل، فكيف يميز نفسه على بقية الناس؟ فقام ابنه عبد الله وبيَّن أن والده أخذ من نصيبه ليكمِّل به ثوبا يقف به أمام الناس، وهو يخطب، فقال سلمان: الآن قل نسمع وأمر نطع وصح أن عمر اعترض على تأخر بعض الحاضرين إلى الجمعة (مسلم ج ٦ ص ١٣٠ وما بعدها ١٦٤) .
ومن هنا لا نجد مانعا من تصحيح خطأ حدث من الخطيب فى اَيه أو حديث إذا كان المصحح واثقا من ذلك على أن يكون بأسلوب حكيم لا يحدث لغطا ولا تشويشا، وأن يغلب على الظن أن الخطيب يسمع ويستجيب، فإن لم يستجب فلا يجوز الإلحاح فى التصحيح، فلعله لم يسمع، وقد يكون فيه رد فعل سيئ بأى وجه يكون.
ومع جواز ذلك فلعل من الخير أن يرجأ التصحيح حتى ينتهى المصلون من الصلاة، ثم ينبه الخطيب إلى ما أخطأ فيه وهو بدوره ينبغى أن يعلنه للناس، والنقاش الهادى فيه إثراء للمعرفة، وبعد عن التهمة، وتحاش للظنون، وحفاظ على قدسية المسجد وكرامة العلماء