[تبرع غير المسلم ومساهمته فى بناء المسجد جائز شرعا]
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
ذو الحجة ١٤٠٠ هجرية - ١٢ أكتوبر ١٩٨٠ م
المبادئ
يجوز للمسلمين المتواجدين فى أية جهة من العالم أن يتلقوا أى تبرعات لبناء المسجد، سواء من الحكومة أو من الأفراد دون نظر إلى ديانتهم لأن المساجد لله خالق الناس جميعا
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل وعددا من المسلمين يقيمون فى منطقة من مناطق نيوجرسى الأمريكية وهم يريدون إقامة مسجد يؤدون فيه شعائر دينهم.
فهل يجوز لهم شرعا أن يطلبوا من الكونجرس الأمريكى أن يعطى لهم مالا يقيمون به هذا المسجد، وهل إذا وافق الكونجرس على إعطائهم المال اللازم لإقامة المسجد، يجوز لهم إقامته بهذا المال وأداء الصلاة فيه
الجواب
إن البر والإحسان إلى الناس فى الإسلام والتعاون بينهم فى الطاعات وإقامة المصالح العامة كل ذلك جائز بين أهل الأديان المختلفة، لأنها جميعا قد أمرت بالتراحم والتواصل والتعاون على البر، وقد ضرب الإسلام المثل الأعلى بالبر بغير المسلمين، فقد روى ابن أبى شيبه (مصنف ابن أبى شيبة ج - ٤ ص ٤) عن جابر بن زيد أنه سئل عن الصدقة فيمن توضع.
فقال فى أهل ملتكم من المسلمين وأهل ذمتهم، وقال (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فى أهل الذمة من الصدقة والخمس) .
ولقد أباح الله سبحانه فى القرآن الكريم تناول طعام أهل الكتاب وتزوج نسائهم فى قوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان} المائدة ٥، توجهنا الآية الكريمة إلى حل التعامل مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وتبادل المنافع معهم وإباحة طعامهم ضيافة وشراء والتزوج من نسائهم.
هذا وليست مساهمة غير المسلمين فى إقامة المساجد بالمال بأعلى شأنا من هذه المباحات فى التعامل بنص القرآن الكريم مع غير المسلمين.
ثم إن (كتاب الأموال لأبى عبيد ص ٤٦) عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وهو من خلفاء المسلمين العلماء العاملين كتب إلى عامله على البصرة كتابا ومما جاء فيه (وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وخلت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه) - ومعناه اجعل لمن هذا حاله راتبا دوريا ولا تدعه حتى يطلب بنفسه.
وبهذا الأساس قال فقهاء مذاهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد بن حنبل رحمهم الله بجواز الهبة والوصية من غير المسلم للمسلم.
باعتبارها من عقود التبرعات والصلات التى تجوز بين أهل الأديان مادامت لغير معصية.
ولقد نص الفقه الشافعى (حواشى تحفة المحتاج شرح المنهاج ص ٥، وحاشية البحيرمى أيضا على منهج الطلاب ج - ٣ ص ٢٦٨، وحاشية البحيرمى أيضا على شرح الخطيب ج - ٣ ص ٢٩٣) صراحة على جواز وصية غير المسلم ببناء مسجد للمسلمين، ولما كانت الوصية من عقود التبرعات، وكانت جائزة من غير المسلم ببناء مسجد للمسلمين، كان التبرع من غير المسلم فورا ببناء المسجد أو المساهمة فى بنائه جائزا.
لما كان ذلك كان جائزا شرعا للمسلمين المتواجدين فى ولاية نيوجرسى الأمريكية أو أية جهة من العالم أن يتلقوا أى تبرعات لبناء المسجد سواء من الحكومة أو من الأفراد دون نظر إلى ديانتهم لأن المساجد لله خالق الناس جميعا.
والله سبحانه وتعالى أعلم