إذا كانت الحشرات والوحوش ضارة للإنسان فلماذا خلقها الله سبحانه؟
الجواب
من صفات الله تعالى أنه حكيم عليم خبير، فهو سبحانه منزه عن العبث فى جميع تصرفاته، والعقل الإنسانى مهما كانت قوته محدود، فهو يجهل كثيرا من أسرار الخلق، بل وفيما كلف به من أعمال، قال تعالى {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء: ٨٥ وقال {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة: ٢١٦ وقد أمرنا بالبحث والنظر فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء وشجع العلم فى كل مجالاته، وكرم العلماء ورفعهم درجات، وقد أدرك السابقون بعضا من حكم الخلق وما يزال العلم الحديث يكشف عن حكم وأسرار.
إن وجود الحشرات والحيوانات المتوحشة فيه حفظ للتوازن بين المخلوقات، وقد ذكر الجاحظ فى كتابه "حياة الحيوان" أن من العجيب فى قسمة الأرزاق أن الثعلب يصيد القنفذ فيأكله، والقنفذ يصيد الأفعى ليأكلها، والأفعى تصيد العصفور لتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكله ... إلى غير ذلك مما ذكره، كما أن وجودها فيه منافع تغيب عن أذهان الكثيرين، فإلى جانب منافعها الاقتصادية من جلود وعظام وشعر، وما تقوم به الحشرات من حمل اللقاح للنبات - هى جنود يسلط الله بعضها على بعض للقضاء عليها أو الحد من تكاثرها لفسح المجال للإنسان كما أنها جنود يعذب الله بها أقواما يعبدوه ولم يشكروا نعمته. ألم يقل الله فى عذاب قوم فرعون {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات} الأعراف: ١٣٣ وألم نعلم أنه لولا السوس مثلا لادخرنا الحبوب ومنعناها عن غيرنا ممن يحتاجونها؟ جاء فى حياة الحيوان الكبرى للدميرى "مادة ذباب" أن أبا جعفر المنصور كان جالسا فألح على وجهه ذباب حتى أضجره فاستدعى عالما فجىء له بمقاتل بن سليمان "توفى سنة١٥٥ هـ " فسأله: لماذا خلق الله الذباب؟ فقال: ليذل به الجبابرة فسكت المنصور، وقال الدميرى فى مناقب الشافعى "توفى سنة ٢٠٤ هـ" إن المأمون سأله مثل هذا السؤال. فقال: مذلة للملوك.
فضحك المأمون وقال: رأيته وقد وقع على جسدى؟ فقال: نعم ولقد سألتنى عنه وما عندى جواب، فلما رأيته قد سقط منك بموضع لا يناله منك أحد فتح الله لى فيه الجواب، فقال: لله درك.
هكذا كان جواب العلماء فى حكمة خلق الذباب بما بدا لهم فى حينه، وصدق الله إذ يقول {وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} الحج: ٧٣.
إن فى خلق كل شى حكمة وله فائدته، حتى إبليس نفسه، جعله الله عدوا مبينا لنا لنعبد الله بمجاهدته فنؤجر، ونستعيذ بالله منه فنثاب، ولولاه مع الغرائز ما كانت حركة الحياة، ولكنا ملائكة نمشى على الأرض فلا نستطيع تحقيق الخلافة فيها، فلنؤمن بأن الله حكيم فيما خلق وشرع ولنحاول أن نستفيد من خلقه بما يزيدنا إيمانا به