[وفاة الواقف قبل اتمام المسجد الموقوف]
المفتي
أحمد هريدى.
ربيع الآخر ١٣٨٩ هجرية - ١٦ يونية ١٩٦٩ م
المبادئ
١ - يرى الإمامان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن أن وقف المسجد لا يتم إلا بالإذن للناس فيه بالصلاة، ويصلى الناس فيه بالفعل.
٢ - ذهب أبو يوسف والأئمة الثلاثة مالك والشافعى واحمد - إلى أن وقف المسجد يتم بمجرد القول وصدور الهبة من الواقف، متى توافرت شروطه - دون حاجة إلى التسليم وهذا الرأى هو الذى جرى عليه العمل، والمفتى به.
٣ - بشروع الواقف فى بناء المسجد على قطعة الأرض المخصصة منه لذلك ن يكون مسجدا ويصير وقفا لازما لا يصح الرجوع عنه شرعا، طبقا لرأى الجمهور.
٤ - المال المخصص من الواقف لبناء هذا المسجد وللإنفاق عليه منه يكون وقفا مخصصا لهذا الفرض ويصير لازما ولا يصح الرجوع عنه.
٥ - على ورثة الواقف إتمام بناء هذا المسجد بالمبلغ المخصص له منه بحيث يصير صالحا لإقامة الشعائر فيه على الوجه المعتاد، فإذا لم يكف المبلغ لذلك لزمهم إتمام إقامته من التركة فى حدود الثلث على الوجه المقرر شرعا دون إسراف ولا تقتير.
٦ - المفتى به والذى جرى عليه القضاء أن وقف المسجد متى صدر صحيحا كان لازما، ولا يتوقف على تسليم أو إشهاد، ومن ثم فلا بدخل تحت حكم المادة الولى من القانون ٤٨ لسنة ١٩٤٦ والتى اشترطت لصحة الوقف توثيق إشهاده.
٧ - ما أنفقه الورثة فى شأن إقامة ضريح للواقف فى المسجد يكون تبرعا منهم لا تتحمله التركة ولا المال الموقوف
السؤال
بالطلب المقدم من السيد / الأستاذ أحمد رجائى المتضمن أن أحد المواطنين خصص أرضا وسط عاصمة إحدى المحافظات لبناء مسجد عليها من ماله، وخصص لهذا المسجد مبلغا ضخما من المال وأعد له الرسومات والتخطيطات اللازمة، وبدأ فعلا فى تنفيذه إلا أن المنية عاجلته قبل الانتهاء منه، فقم ورثته (زوجته وأولاده) باستكمال هذا المسجد وبإنشاء ضريح معه دفنوا فيه مورثهم وتكلفوا فى ذلك من مال التركة اثنى عشر ألفا من الجنيهات تقريبا.
وطلب السائل بيان رأى الشرع والقانون فيما يأتى (أ) ما مدى التزام المورث فى إقامة المسجد وهل كان يجوز له العدول عنه بعد أن وجه هذا المبلغ إلى إقامة المسجد وإلا يعتبر هذا ضربا من ضروب الوقف على إنشاء بيت من بيوت الله لا يجوز الرجوع فيه.
(ب) ما مدى التزام الورثة بإتمام هذا المسجد وله هو مجرد التزام أدبى بإتمام ما بدأه مورثهم أم أنه التزام قانونى انتقل إليهم بنشأة هذا الالتزام فى ذمة المورث قبل وفاته وانتقاله إليهم كخلف عام تتحمل به التركة علما بأن التركة تصل إلى مائة ألف جنيه
الجواب
ظاهر مما جاء بالطلب أن المواطن صاحب التصرف موضوع الاستفتاء قد خصص قطعة أرض لتكون مسجدا ولإقامة مسجد عليها من ماله، وأنه خصص مبلغا ضخما من المال لبناء المسجد على قطعة الأرض المشار غليها وأعد له الرسومات والخطيطات اللازمة وبدأ فعلا فى تنفيذه.
وقد اختلف فقهاء الحنفية فيما يتم به الوقف.
وهل يشترط فى تمامه واعتباره وقفا أن يسلمه الواقف لجهة الوقف أولا يشترط ذلك -فذهب الإمام محمد بن الحسن وهو رأى الإمام أبى حنيفة إلى أن الوقف لا يتم إلا بالتسليم - والتسليم فى كل شئ بحسبه - ويكون فى المسجد بأن بإذن الواقف للناس بالصلاة فى المسجد ويصلى الناس فيه بالفعل.
وذهب الإمام أبو يوسف إلى أن الوقف يتم بمجرد القول وصدور الهبة من الواقف متى كان أهلا للتصرف وتوفرت سائر الشروط الواردة فقها دون حاجة إلى التسليم، فلو قال جعلت هذه الأرض مسجدا أو أقام مسجدا للصلاة صارت الأرض والبناء مسجدا ولو لم يصل فيه بالفعل - جاء فى أحكام الوقاف للإمام الخصاف صفحة (١١٣) ما يأتى.
(قلت) أرأيت إذا جعل الرجل داره مسجدا أو بناها كما تبنى المساجد وأذن للناس فى الصلاة فيها واشهد على ذلك أنه قد جعله مسجدا لله قال فهو جائز.
وقال أبو حنيفة إذا أذن فى الصلاة فيه فصلى فيه فقد صار مسجدا.
وقال غيره إذا أشهد عليه أنه قد جعله مسجدا فقد صار مسجدا وإن لم يصل فيه.
والمراد بالإشهاد القول والإعلان أمام الناس، وليس المراد به التوثيق لأن التوثيق ليس شرطا مطلقا باتفاق الفقهاء فى وقف المسجد وجاء فى الإسعاف فى أحكام الوقاف ما يأتى قال أبو يوسف رحمه الله ليس التسليم بشرط فى المسجد ولا فى غيره من الأوقاف ... فإذا قال جعلت هذا المكان مسجدا وأذن للناس بالصلاة فيه يصير مسجدا.
وقال محمد وهو قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يزول عن ملكه قبل المسلمين وبه أخذ شمس الأئمة السرخسى، ثم التسليم فى المسجد أن يصلى فيه بالجماعة بإذنه لأن القبض فى كل شئ بحسب ما يليق به وهو فى المسجد بأداء الصلاة بالجماعة فيه.
ويلاحظ أن صاحب الإسعاف زاد فى رأى أبى يوسف الإذن بالصلاة.
ورأى أبو يوسف هو الذى يجرى عليه العمل فى القضاء الشرعى وهو يوافق آراء الأمة الثلاثة ملك والشافعى وأحمد فى وقف المسجد وصرح بأنه الراجح لا مفتى به وطبقا لرأى أبى يوسف إذا كان المواطن صاحب التصرف موضوع الاستفتاء قد خصص قطعة الأرض لتكون مسجدا وشرع فى إقامة بناء المسجد عليها فإنها بذلك تكن مسجدا ويكون لازما ولا يصح الرجوع عنه شرعا.
فإذا أضيف إلى هذا أنه كما جاء بالطلب - قد خصص مبلغا من ماله لبناء المسجد فإنه بهذا يكون قد وقف هذا المال لبناء المسجد والإنفاق عليه منه ويتم الوقف فيه بذلك ويكون لازما ولا يصح الرجوع فيه، وعلى ورثة هذا المواطن أن يتموا بناء هذا المسجد وينفقوا المبلغ الذى خصصه مورثهم للبناء والإنفاق فى ذلك فى إتمام بناء المسجد وتهيئته بحيث يصبح صالحا لإقامة الشعائر الدينية فيه على الوجه المعتاد.
وإذا لم يكف المبلغ المخصص يلزم الإتمام من التركة فى حدود الثلث بالقيود والأوضاع المقررة شرعا دون إسراف فيما لا يلزم ولا تقتير فيما يلزم ومما تجدر الإشارة غليه هنا - ما نصت عليه المادة الولى من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ من أن الوقف لا يصح من وقت العمل بالقانون إلا إذا صدر به اشهاد ممن يملكه فإن هذا النص بإطلاقه يشمل وقف المسجد ويصبح عمل الإشهاد أمام الشهر العقارى شرطا فى صحة وقف المسجد.
ولكن الواقع أن وقف المسجد خارج من هذا الحكم ويستثنى من هذا الإطلاق، لأن الفقهاء جميعا مجمعون على صحة وقف المسجد دون توقف على عمل إشهاد به.
واشتراط الإشهاد والتوثيق لصحته ليس له سند فقهى فلا يكون داخلا فى حكم المادة المذكورة ت يراجع شرح قانون الوقف لفضيلة الأستاذ الشيخ فرج السنهورى أحد أعضاء اللجنة التى قامت بعمل مشروع هذا القانون واختيار أحكامه جزء أول صفحة ٥٦، ٥٧ هذا فيما يتعلق بالمسجد وبنائه وإتمام البناء.
وأما ما يتعلق بالضريح الذى أنشأه الورثة لعمل الخير كما يقول الطلب.
وقاموا بدفن مورثهم فيه. فإنه عمل لم يتعرض له المورث فى وقفه ولم يشر إليه مطلقا فيما ذكره عن بناء المسجد وتخصيص مبلغ للإنفاق منه على البناء.
وهو عمل غير مشروع ولا يجوز الالتزام به شرعا - وبالتالى لا يلتزم المورث ولا يلتزم الورثة بشأنه بشئ وما أنفقه الورثة فى هذا الشأن يعتبر تبرعا منهم من أموالهم الخاصة ولا تتحمل التركة شيئا منه.
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال، والله سبحانه وتعالى أعلم