للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أين هبط آدم وأين دفن؟]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هى الأرض التى هبط عليها أبونا آدم، ومتى وكيف تم ذلك، وهل دفن فى الأرض وفى أى مكان يوجد قبره؟

الجواب

القرآن الكريم لم يقص علينا من أخبار السابقين إلا ما فيه العبرة والموعظة فقط، وذلك من أسرار بلاغته التى يراعى فيها مقتضى الحال، ولا حاجة إلى سرد التفاصيل والجزئيات التى لا يضر الجهل بها، ويترك للناس البحث عنها تنشيطا للفكر وازديادا فى الثقافة.

وقد ذكر القران بعض قصص الأنبياء، وسلط الأضواء على جوانب منها حتى مع تكرار ذكر القصة الواحدة فى عدة مواضع، اقتضاه نزول القران منجَّما على مدى ثلاثة وعشرين عاما، قال تعالى {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود:١٢٥وقال {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل.كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} يوسف:١١١ وبخصوص سيدنا آدم ذكر القران أن الله أهبطه إلى الأرض {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين} الأعراف: ٢٤ وقال من قبل ذلك للملائكة {إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة: ٣٠ ولم يبين المكان الذى هبط عليه من الأرض، وذلك لعدم الحاجة إليه، وقد استغل بعض الناس هذا الأمر استغلالا سياحيا أو لمصالح أخرى فادَّعوا أنه هبط على أعلى قمة فى جبل بالهند بجزيرة سيريلانكا "سيلان سابقا" وأنَّ قدمه أثرت فى الصخر ومشى هناك خمسمائة سنة يبكى على هابيل وتكونت من دموعه ودموع حواء عين ماء، والناس يتوافدون على المكان لزيارته، كما استغلت مناطق أخرى لهذا الغرض.

ومما يشاع أنه هبط فى مكان وحواء فى مكان آخر هو جدة وبعد بحث وتعب التقيا على جبل عرفات فسمى بهذا الاسم لهذا السبب، كما يقال: إنه دفن فى جزيرة العرب وله قبر طوله ستون ذراعا، ولكن كل ذلك لا يدل عليه دليل صحيح، وبخاصة أن اَلاف السنين مرت عليه، والآثار التى مر عليها أقلُّ من ذلك ما زال كثير منها مجهولا، وبالطبع دُفن آدم فى الأرض بعد موته، لأن قابيل لما قتل أخاه هابيل واحتار فى أمره بعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه. فدفنه فى حفرة فى الأرض، وكان ذلك سُنة متبعة فى ذريته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، {إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها} الزلزلة: ١، ٢ وهم الموتى فى القبور.

هذا، وقد ذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب للقسطلانى "ج ١ ص ٦٤" أن آدم مات بمكة يوم الجمعة ودفن فى قبر بغار أبى قبيس كما ذكره الثعلبى وغيره، وعن ابن عباس أن آدم بعد ما حج عاد إلى الهند ومات بها، وعن ثابت البنانى أنهم دفنوه فى " سرنديب " فى الموضع الذى أهبط فيه، وصححه الحافظ ابن كثير. وقيل: دفن بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم، وقيل غير ذلك، وعاشت حواء بعده سنة وقيل ثلاثة أيام ودفنت بجنبه.

وكل ذلك كلام ليس عليه دليل صحيح.

وبعد، فإذا كنت تسأل أيها السائل عن قبر أبينا آدم لتزوره وتترحم عليه فخير من ذلك ألف مرة أن تسير على النهج الذى رسمه له ربه عندما أهبطه إلى الأرض حيث قال تعالى {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه: ١٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>