الحج كان معروفا عند العرب من أيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمروا يحجون حتى جاء الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم - وهو المولود فى مكة والناشىء فيها إلى أن بعث وهاجر كان يمارس ما تمارسه العرب من الشعائر الباقية من دين إبراهيم، على الرغم مما حدث فى بعضها من تغيير، كوقوف جماعة منهم يوم عرفة فى الحرم وليس فى عرفة لأنها فى الحل، والنسىء الذى أخروا به الحج عن موعده الحقيقى، ولما جاء الإسلام كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالناس فى موسم الحج ليبلغهم الدعوة فى منى ثلاث سنين متوالية "الزرقانى على المواهب ج ٣ ص ١٠٥ ".
يقول القرطبى فى تفسيره "ج ٤ ص ١٤٣ ": كان الحج معلوما عند العرب مشهورا لديهم، وكان مما يرغب فيه لأسواقها وتبررها وتحنفها- أى الطاعة والعبادة-فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا، وألزموا بما عرفوا. وقد حج النبى صلى الله عليه وسلم قبل حج الفرض، وقد وقف بعرفة ولم ينير من شرع إبراهيم ما غيروا. حين كانت قريش تقف بالمشعر الحرام ويقولون:
نحن أهل الحرم فلا نخرج منه، ونحن الحمس -المتشددون فى الدين.
ولكن الحج فرض فى الإسلام بقوله تعالى {ولله على للناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: ٩٧، وكان ذلك فى السنة السادسة أو التاسعة للهجرة، ولم يحج الرسول عليه الصلاة والسلام بعد فرض الحج إلا حجة واحدة هى حجة الوداع. يقول القرطبى: من أغرب ما رأيته أن النبى صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة مرتين، وأن الفرض سقط عنه بذلك لأنه قد أجاب نداء إبراهيم حين قيل له {واذن فى الناس بالحج} الحج: ٢٧، وهذا بعيد.
وفى شرح الزرقانى على المواهب للقسطلانى "ج ٣ ص ١٠٥" أن ابن سعد قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج غير حجة الوداع منذ تنبأ إلى أن توفاه الله تعالى، ولكن ابن حجر فى "الفتح " قال: إنه حج قبل أن يهاجر مرارا، بل الذى لا ارتياب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط وأخرج الترمذى عن جابر أنه حج بمكة حجتين قبل الهجرة، وأخرج ابن ماجه والحاكم أنه حج قبل أن يهاجر ثلاث مرات، وهو مبنى-كما يقول ابن حجر- على مقابلته للأنصار بالعقبة، وهذا بعد النبوة، أما قبل النبوة فلا يعلم عدد حجه إلا الله. وكل ذلك استصحاب للأصل الذى درج عليه العرب من أيام إبراهيم عليه السلام.
وأما عدد عُمره صلى الله عليه وسلم فيعلم من الكلام عن عدد حججه، وهى من اليسر بحيث يحرص عليها، فهى طواف وسعى وحلق، دون حاجة إلى أماكن أخرى ومشاعر خارج مكة، والذى وردت به الروايات كان بعد الإسلام وبعد الهجرة، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند رجاله ثقات عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، عمرة الحديبية- التى أحصر فيها - وعمرة القضاء - لعمرة الحديبية-والثالثة عمرة من الجعرانة والرابعة مع حجته