للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حدود الحرم]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل المواقيت المكانية للحج غير حدود الحرم، وما الذى يجب على من يدخل الحرم دون أن يكون مريدا للحج أو العمرة؟ وهل الحرم المدنى كالحرم المكى؟

الجواب

سبق فى ص ١٣١ من المجلد الثانى حكم من يريد دخول الحرم المكى، هل يجب أن يدخل بإحرام أو لا يجب، كما سبق فى ص ٢٦٦ من المجلد الرابع من هذه الفتاوى بيان المواقيت المكانية التى لا يجوز للمحرم أن يتعداها بدون إحرام، إلا وجب عليه دم. وحدود الحرم المكى غير المواقيت، فله حدود تحيط بمكة على مسافات غير متساوية، وقد نصبت عليها أعلام لمعرفتها، فحده من جهة الشمال "التنعيم" وبينه وبين مكة حوالى ٦ كيلومترات، وحده من جهة الجنوب "أضاه" وبينها وبين مكة حوالى ١٢ كيلومترا، وحده من جهة الشرق "الجِعِرَّانة" بينها وبين مكة حوالى ١٦ كيلومترا، وحده من جهة الشمال الشرقى "وادى نخلة" وبينه وبين مكة حوالى ١٤ كيلومترا، وحده من جهة الغرب "الشفيسى" - الحديبية سابقا- وبينه وبين مكة حوالى١٥ كيلومترا.

قال محب الدين الطبرى: عن الزهرى عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال: نصب إبراهيم عليه السلام أنصاب -علامات- الحرم، يريه جبريل عليه السلام، أى أن الحدود توقيف من الله تعالى، ثم لم تحرك حتى كان " قُصىّ " أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم فجددها، ثم لم تحرك حتى كان النبى صلى الله عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أُسيد الخزاعى فجددها، ثم لم تحرك حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث أربعة من قريش هم: مخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر بن عوف، فجددوها، ثم جددها معاوية، ثم أمر عبد الملك بن مروان بتجديدها.

والحرم المكى له أحكام، منها ما جاء فى حديث متفق عليه بين البخارى ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرام، ولا يعضد شوكه -وفى رواية "شجره" -أى لا يقطع- ولا يختلى خلاه -والاختلاء هو القطع، والخلا هو الرَّطب من النبات- ولا ينفَّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف واستثنى الإِذخر، وهو زرع كالحشيش له رائحة طيبة.

قال القرطبى: خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله تعالى من غير صنيع آدمى، فأما ما ينبت بمعالجة آدمى فاختلف فيه الجمهور على الجواز، وقال الشافعى: فى الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة، واختلفوا فى جزاء ما قطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبوحنيفة: يؤخذ بقيمته هدى، وقال الشافعى: فى العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة. قال ابن العربى: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعى أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها.

وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه، فأشبه الفواسق. ومنعه الجمهور، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار، وهو قياس مع الفارق، فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر.

والفواسق المذكورة جاءت فى حديث رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق فى الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" وجاء فى رواية مسلم عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحية.

وأما حرم المدينة فجاء فيه حديث متفق عليه رواه البخارى ومسلم "المدينة حرم ما بين عِير إلى ثور" ورويا أيضا عن أبى هريرة قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتى المدينة، وجعل اثنى عشر ميلا حول المدينة حمى كما رويا أيضا حديث " إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها، وإنى حرمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة " كما رويا أيضا أنه أشرف على المدينة فقال " اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدِّهم وصاعهم ".

وفى مظاهر هذا التحريم جاء حديث البخارى " لا يُقطع شجرها ولا يُحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وفى حديث مسلم "ولا يختلى خلاها، ولا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع عضاهها".

واللابتان هما الجبلان، وعير اسم لحدهما، وثور قيل هو أحد أو جبل صغير بجواره، والعضاة كل شجر فيه شوك واحدها عضاهة وعضهة، وفى هذه المظاهر أو الأحكام قال الشافعى ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم: إن للمدينة حرمًا كحرم مكة يحرم صيده وشجره، قال الشافعى ومالك: فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان، لأنه ليس بمحل نسك -أى حج وعمرة- فأشبه الحِمَى، وقال ابن أبى ذئب وابن أبى ليلى: يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية. وذهب أبو حنيفة وزيد بن على إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة، ولا تثبت له الأحكام من تحريم قطع الشجر وقتل الصيد، والأحاديث ترد على هذا الرأى، ودليله حديث قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبي عمير" ما فعل النُّغَنر يا أبا عمير" وأجيب عنه بأنه كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل.

هذان الحرمان وهما حرم مكة والمدينة، هما اللذان صحت فيهما الأحاديث، ويقال: إن هناك حرما ثالثا له هذه الأحكام وهو " وَجٌّ" بالطائف، وفيه خلاف يرجع إليه فى " نيل الأوطار ج ٥ ص ٣٧"

<<  <  ج: ص:  >  >>