ظهرت ابتكارات حديثة لقتل الوقت وإلهاء الشباب عن العمل الجاد، فما موقف الدين من ذلك؟
الجواب
لا بد للإِجابة على ذلك من بيان قيمة الوقت فى نظر الإِسلام، ملخصا من كتابى "توجيهات دينية اجتماعية": إن الوقت هو الظرف الزمنى الذى يؤدى فيه الإِنسان نشاطه الذى يفيد منه فى حياته الدنيوية والأخروية، فضياع أى جزء منه خسارة كبيرة، ويندم يوم القيامة على التفريط فيه، كما قال تعالى فى أهل النار {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل أوَلم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} فاطر: ٣٧.
والزمن وهو أثر من أثار دورات الفلك لا يقع تحت إرادة الإِنسان، وهو إذا مضى لا يعود. كما يقول الحسن البصرى: ما من يوم ينبثق فجره إلا نادى مناد من قِبل الحق: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد: فتزود منى بعمل صالح فإنى لا أعود إلى يوم القيامة.
والعمر وهو رأس مال العبد الذى ينفق منه مهما كثر فهو قليل، ومهما طال فهو قصير، والآمال تخترمها الآجال، ومن هنا حث الإِسلام على المبادرة بالعمل الصالح وعدم ضياع أية لحظة من لحظات العمر فى غير ما يفيد، ومن مظاهر هذا ما جاء فى حديث البخارى "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ" وما جاء فى حديث حسن صحيح رواه الترمذى والبيهقى "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه" وما جاء فى حديث ابن أبي الدنيا بإسناد حسن "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " وما جاء فى خطبة أبى بكر الصديق رضي الله عنه: إنكم تغدون وتروحون فى أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضى الآجال وأنتم فى عمل الله -ولا تستطيعون ذلك إلا بالله- فسابقوا فى مهل بأعمالكم قبل أن تنقضى آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم، فالوحا الوحا، النجاء النجاء، فإن وراءكم طالبا حثيثا أمره، سريعا سيره. وما قاله بعض البلغاء: من أمضى يومه فى غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثَّله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه.
وما قاله الإمام الشافعى، وهو النموذج الصالح لطلب العلم:
سهرى لتنقيح العلوم ألَذُّ لى * من وصل غانية وطيب عناق وتمايلى طربا لحل عويصة * أشهى وأعظم من مدامة ساق وألذ من نقر الفتاة لدفها * نقرى لألقى الرمل عن أوراقى وصرير أقلامى على صفحاتها * أبهى من الدوكاء والعشاق أأبيت سهران الدجى وتبيته * نوما وتبغى بعد ذاك لحاقى؟ وما قاله عمر بن الخطاب وهو نموذج صالح لكل العاملين والمسئولين، حين جاء معاوية بن خديج يبشره بفتح الإِسكندرية فوصل المدينة وقت القيلولة فظن أنه نائم يستريح ثم علم أنه لا ينام فى ذلك الوقت: ... لئن نمت النهار لأضيعن حق الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن حق الله، فكيف بالنوم بين هذين الحقَّين يا معاوية؟ بعد هذه السطور القليلة في بيان قيمة الوقت وخطورة التفريط فى استغلاله فى الخير نعلم أن الإِفراط فى اللهو بكل الوسائل الحديثة غير مشروع، وهو حرام إن ضيَّع واجبا لله أو للأسرة أو للنفس أو للمجتمع، وحرام إن كان على قمار ومراهنة، وحرام إن ترتب عليه ضرر دينى أو صحى أو اقتصادى، والنصوص فى ذلك كثيرة، ويمكن الرجوع إليها عند الإجابة على أحكام أدوات اللعب "ص ٢٠٩ من المجلد الثالث من هذه الفتاوى" والرياضة البدنية "ص ١٩٦ من المجلد الثالث" والتليفزيون "ص ٢١٢ من المجلد الثالث" والموسيقى والغناء "ص ٢٣٨ من المجلد الأول" وأجهزة الفيديو "ص ٤١٢ من المجلد الثانى"