للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأكل مع النذر]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نذرت لله إن شفانى أن أذبح شاة، فهل يجوز أن آكل منها؟

الجواب

إذا نذر الإنسان شيئا خرج عن ملكه فيجب أن يوجهه إلى ما نُذر إليه، كما قال تعالى {وليوفوا نذورهم} الحج: ٢٩، فمن نذر التصدق بشاة أو توزيع طعام وجب أن يكون التنسيق أو التوزيع على الفقراء والمساكين، ولا يجوز للناذر أن يأخذ شيئا من النذر، لا للأكل ولا لغيره كجلد الشاة للفراش أو الصلاة عليه، أو صوفها للانتفاع به، بل يخرج كل ما فيها لله سبحانه، حتى قال العلماء: لا يعطى شيئا منها أجرة للجزار الذى ذبحها، وإنما يجوز أن يعطيَه بعضها صدقة إذا كان الجزار فقيرا مستحقا لها.

وقد تحدث العلماء عن قوله تعالى فى الهدى فى الحج {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} الحج: ٢٨، وعما ثبت من أن النبى صلى الله عليه وسلم ساق الهدى فى الحج وأكل منه أهله، فقسموا الهدى أربعة أقسام:

ا -هدى تطوع، ويكون لمن حج مفردا، أى نوى الحج فقط، وكذلك لمن اعتمر.

٢ -هدى واجب لترك شىء من واجبات الحج، كرمى الجمار والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، والإحرام من الميقات.

٣-هدى واجب لارتكاب محظور، كالتطيب وحلق الشعر.

٤-هدى واجب جزاء للصيد وما يماثله.

وقالوا: هدى التطوع يجوز لصاحبه أن يأكل منه. أما الهدى الواجب فقد اختلفت آراؤهم فيه:

أ -فأبو حنيفة لا يجيز الأكل من أى هدى واجب، واستثنى من ذلك هدى التمتع والقران فأجاز الأكل منه، مستدلا بالآية المذكورة وبفعل النبى صلى الله عليه وسلم، بناء على أنه كان فى حجه متمتعا أو قارنا.

٢-وأحمد بن حنبل قال مثل قول أبى حنيفة.

وعلى رأيهما لا يجوز الأكل من الهدى المنذور، ولا من الكفارة.

٣-ومالك بن أنس قال: لا يجوز الأكل من جزاء الصيد، وفدية الأذى التى تجب عند حلق الشعر من الأذى، والمنذور للمساكين.

ويجوز الأكل من هدى التمتع وفساد الحج وفواته، والأنواع الأخرى من الهدى.

٤ -والشافعى قال: لا يجوز الأكل من أى هدى واجب مطلقا، ومنه النذر، فلا يجوز أكل شىء منه. وكذلك الكفارات.

جاء فى تفسير القرطبى"ج ٢ ص ٤٤": دماء الكفارات لا يأكل منها أصحابها، ومشهور مذهب مالك رضى الله عنه أنه لا يأكل من ثلاث: جزاء الصيد ونذر المساكين وفدية الأذى. ويأكل مما سوى ذلك إذا بلغ محله واجبا كان أو تطوعا، ووافقه على ذلك جماعة من السلف وفقهاء الأمصار.

ثم قال فى صفحة ٤٦: قال الشافعى وأبو ثور: ما كان من الهدى أصله واجبا فلا يأكل منه وما كان تطوعا ونسكا أكل منه وأهدى وادخر وتصدق. والمتعة والقران عنده نسك. ونحوه مذهب الأوزاعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يأكل من هدى المتعة والتطوع ولا يأكل مما سوى ذلك مما وجب بحكم الإحرام. وحكى عن مالك: لا يأكل من دم الفساد، وعلى قياس هذا لا يأكل من دم الجبر كقول الشافعى والأوزاعى.

وذكر أن دليل مالك هو أن الله جعل جزاء الصيد للمساكين، وكذلك فدية الأذى، جعلها القرآن والحديث للمساكين، ونذر المساكين مصرح بعدم الأكل منه، وأما غير ذلك من الهدايا فهو باق على أصل قوله تعالى {فكلوا منها} وقد أكل النبى صلى الله عليه وسلم وعلى من الهدى وكان عليه السلام قارنا فى أصح الأقوال والروايات، فكان هديه على هذا واجبا، فما تعلق به أبو حنيفة غير صحيح. انتهى بتصرف.

وجاء فى "المغنى لابن قدامة ج ٣ ص ٥٦٥" ما نصه: المذهب أنه يأكل من هدى التمتع والقران دون ما سواهما، نص عليه أحمد.. .

وهذا قول أصحاب الرأى أى أبى حنيفة وأصحابه - وعن أحمد أنه لا يأكل من المنذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما.. . لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله لله، بخلاف غيرهما، وقال ابن أبى موسى:

لا يأكل أيضا من الكفارة ويأكل مما سوى هذه الثلاثة، ونحوه مذهب مالك، لأن ما سوى ذلك لم يسمه للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه، فأشبه التطوع. وقال الشافعى: لا يأكل من واجب، لأنه هدى وجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة.

يؤخذ من هذا العرض أن الطعام المنذور لا يجوز للناذر أن يأكل منه باتفاق الفقهاء. سواء كان النذر هديا فى الحج والعمرة أو كان غير ذلك وأجازه أحمد فى الأضحية فقط بل جعله مستحبا "المغنى ج ٣ ص ١٥٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>