هذا الموضوع طويل وضحته فى كتبى: الأسرة تحت رعاية الإسلام، الإسلام دين العمل، الحجاب وعمل المرأة.
ويكفى أن أقول: إن العمل حق لكل إنسان رجلا كان أو امرأة، بل هو واجب لأنه وسيلة العيش وبقاء الحياء، وتحقيق الخلافة فى الأرض، ومجالاته كثيرة، فى الحقل والمصنع والمتجر والبيت، فى البر والبحر والجو، قال تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} الملك:١٥ ولكل من الرجل والمرأة أن يعمل فى المجال الذى يناسب استعداده، والعمل يستقيم دائما إذا وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، واللَّه سبحانه جعل لكل من الرجل والمرأة مواهب واستعدادات وطاقات تتناسب مع المهمة التى توكل إليه، والطرفان شريكان فى جمعية تعاونية، لا يمكن أن يستغنى أحدهما عن الآخر.
والجزاء هو على قدر العمل المشروع أيَّاً كان حجمه، قال تعالى {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} آل عمران ١٩٥، وقال تعالى {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل: ٩٧،.
ورسالة المرأة فى البيت لا تقل أهمية عن رسالة الرجل خارجه، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت يزيد بن السكن وافدة النساء ما معناه " حسن تبعل المرأة لزوجها وقيامها بواجبها نحوه يعدل ما يقوم به الرجل من جهاد وغيره " كما رواه البزار والطبرانى، والشاعر المصرى يقول:
فى بيتهن شؤونهن كثيرة * كشؤون رب السيف والمزراق ومع ذلك فللمرأة أن تزاول عملا خارج البيت، وبخاصة إذا احتاجت إليه، أو كان العمل محتاجا إليها، بل يكون ذلك واجبا عليها لاحقًّا لها، وقد قرر العلماء: أن خروجها للعمل مرهون بعدم التقصير فى الواجب الأساسى وهو المنزل الذى يوفر السكن والمودة ويربى النشء ويعده لاستمرار الحياة الاجتماعية والإنسانية، وذلك مرهون بإذن الزوج لها، فهو المشرف المسئول عنها فى النفقة والحماية، كما يجب عليها أن تحافظ على كل الآداب الخاصة بالعلاقة بين الجنسين، حتى لا يكون هناك انحراف يتنافى تماما مع المقصود من مزاولة النشاط خارج البيت، وتفصيل هذه الآداب يرجع إليه فى الكتب السابقة.
والتقصير فيها هو الذى أثار الجدل والنقاش حول عودة المرأة العاملة إلى بيتها، فلابد من الموازنة بين الكسب والخسارة، شأن التاجر الواعى البعيد النظر، فالعمل للمرأة خارج المنزل - مع أن مجالات العمل والكسب داخله كثيرة - جائز مع كل التحفظات المشروعة، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما رواه البخارى " إن اللَّه أذن لكنَ أن تخرجن لقضاء حوائجكن " والحوائج عامة غير مخصوصة بعمل معين، وكان النساء يباشرن أعمالا خارج البيت، كطلب العلم وكسب العيش، أيام النبى صلى الله عليه وسلم، وروى البخارى ومسلم أنه رأى أسماء بنت أبى بكر، زوجة الزبير تحمل على رأسها النوى لتعلف به الناضح - الجمل أو الفرس -فلم ينكر عليها، بل دعاها إلى الركوب خلفه شفقة عليها.
وإذا كان اللَّه سبحانه قال لنساء النبى صلى الله عليه وسلم {وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب: ٣٣، فالقرار فى البيت وسيلة عدم التبرج أى الظهور والبروز وهو الأمر المهم فى الموضوع، ومع ذلك فهو خاص بنساء النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعهن من الخروج من البيت للصلاة أو الاعتكاف فى المسجد أو حضور مهرجان العيد، أو الحج إلى بيت الله.
وللعلماء كلام طويل فى بيان المجالات المناسبة لعملها خارج البيت يرجع فيه إلى الكتب المذكورة آنفا